وقفت على عتبة الشروق، شاخصة أبصارها إلى الأمل، عيناها كفا زاهدٍ رفعت إلى السماء، تستمطر ساعات الفرج، وتســتعـطف مفاتيح العتقِ، من كهوف اليأس المظلمة، ودخان الإحباط الخانق، إلى فسحة العمر في ربيعه المزهر، وإلى كوخِ السعادة بين أغاريد الحياة!
عانس كما رأتها ظنونهم، طفلة كما يؤكد يقينها، لم تزل تحارب أيدي الزمان الأخطبوطية الفاتكة، بكل ما أوتيت من متارس البراءة والصفاء، حتى تظل الطفلة التي بداخلها على قيد الحياة .. كلما رأت الشمس تدغدغ أطراف نافذتها بزغاريد الصباح، ابتسمت، وفركت عينيها بأطراف أصابعها .. وقالت «أصبحنا وأصبح الملك لله ...»
عانس كما لقبها الغرباء، طفلة كما لقبتها أخلاقها معهم، كلما أكدت لها الآلة الحاسبة أنّ عمرها كما يقولون، تفجّرت أنوثة روحها الرقيقة، وزئر قلبها الساطع بنقائه الخلاب، وعادت إلى مكتبة عمقها .. لتتأكد من مصادر طهرها: أنّ القصائد الجميلة لا تقاس بعدد أبياتها، وأنّ جواهر المعاني أهم من زخرف الألفاظ بملايين المرات!
عانس تجرّ فستان الأمل .. متبخترة في ابتساماتها للحياة، ساخرة من الزمان المطبق بيأسه، عقلها يزن بالأفكار التي فيه، ما يرجح بفكرة حسابية شكلية تافهة، كلما زاد صخب سؤالهم « لماذا لم تتزوّج حتى الآن ؟ «تبسمت ضاحكة من سؤال سخيف المحتوى، وظلت واقفة على عتبة الشروق والأمل، تعرض بكبرياء روحها عن الجاهلين!