هذه المقالة وجهة نظر، أو نظر من زاوية أخرى، جاءت ردة فعل لوجهة نظر آنفة عرضها صاحبها في المجلة الثقافية، مع الاحترام والتقدير لكل رأي، والاحترام لا يعني الموافقة، ولا يعني عدم النقد، وقد جزأتها إلى نقاط بحسب ما ورد.
* حين نطالبُ المقالة بما نطالبُ به الرسالة العلمية أو بما نطالبُ به المؤلَّف، نخرجها من فنها، ونلبسها ما ليس لها، تماماً، كما نفعل إذا طالبنا الرسالة العلمية بأن تكون كالمقالة.
لم تخلق المجلات والصحف لطلب العلم، ولا لتجميع المواد المكتنزة فيها عن طريق التسلسل الأسبوعي - ومن ثم تشتيت ذهن القارئ- فتكون بذلك مكتبة عامرة للباحثين وليست مجلات للمتصفحين.
ليست المجلات مجبرة بأن تخرّج مؤلفين وباحثين؛ فهذه مسؤولية الجامعة، بل مسؤولية الدراسات العليا وليس المجلات.
المجلات تضيء، وتصف، وتنقد، وتضع بأيدينا المشاعل، لنكمل البقية بأنفسنا.
* امتعض أحدهم من طرق بعض الكتّاب في المجلات، ووصف الكتابة النموذجية بتلك التي يُجمَع لها في النهاية فهرس ينبي عن مادة متسلسلة تستحق التأليف، كما تأليفات الجاحظ وغيره من المؤلفين القدماء - رغم أنه يطالب بالتأصيل والدليل، ألا ليته أتى بدليل على أن الطريقة القديمة هي الطريقة الفضلى للكتابة - عجباً، وهل طريقة القدماء هي الطريقة الوحيدة؟ هل طريقة القدماء هي النزيهة الوحيدة؟ وما مدى نزاهتها؟ كيف وقد ذُكِرَ بأن الأغاني لأبي الفرج أكثره منحول! إذن لم يعد للكتابة المتسلسلة المفهرسة (القديمة) أي فائدة ما دامت يغزوها النحل تزيّداً ومفاخرة، أو يدخلها ما يدخل غيرها من تضخم ذات المؤلف ومن ثم الإطالة بغير فائدة بل لأجل حشو الفهرس وتضخيم حجم الكتاب، وكذلك لا فائدة ممن يعيد ما قيل من دون أي اجتهاد أو إضافة، فقط ليقال بتسلسل مقالاته تحت موضوع معين أو حقل تخصصه الدقيق، كما يحدث الآن لبعض الكتّاب!
* الكتابة في البداية موهبة، والموهبة - أيا كانت - تحتاج إلى صقل ودربة؛ ثمت يتحقق الإتقان كل بحسبه، ولا يخلو زمان من مميزين بأساليبهم الخاصة، فما كل الأرض مصنوعة لخطوات قلائل، ومن كان ابن وقته كان ابن وجوده، ومن انتمى إلى وجوده انتمى إليه شهوده، فكان الشاهد والمشهود.
ما المعرفة إلا تراكم نخبها.. تأمل، فحلل، ثم اقتبس، ثم سطر «على طروس الوجود نفائس فكرك «.
* إن من يعيب العاطفة في الكتابة فهو يسقط جزءاً مهماً منها، ويحرمها من عماد غير ذي عوج، وهل يجعلنا نكتب إلا العاطفة؟! وهل العقل وحده يستطيع أن يفعل شيئاً؟! هل هان الجزء من مئة جزء من الرحمة ولم يعد له دور؟! وما الرحمة إلا عاطفة!
* إن كنت متسيداً برجوازياً بلسان يقطر عسلاً ويخفي استبداداً، فابنِ قلعتك وادعُ إليها، لكن لا تحرق حقول الآخرين ولا تهدم بناياتهم، فكونها لا تروقك لا يقلل من شأنها، ولا يعني أنها فاسدة أو خالية من فائدة، فأطل النظر يا هذا ومدّه مدّاً، وتعدّ نفسك لتقترب من إنسانية ونورانيّة غيرك.
إن مصيبتك الحقة حين يحلّق أحدهم فوقك فتصمه حينئذ بالنقص والخطأ، وما أنت تسعى للحقيقة والنفع بقدر ما تسعى لحفظ أنموذجك والأنموذج الذي تفضله!
* إن الحكماء والفلاسفة لم يقدّروا في حياتهم، ولم تقدّر أسماؤهم، ثم قدّسوا بعد موتهم، وقدست أسماؤهم. أفترى المخلص يكتب خدمة لاسمه، أم خدمة للحقيقة كما فعل الفلاسفة المنبوذون في حياتهم؟!
إن من يكتب لاسمه يكفيه أن يدبّج ويدسّم سيرة ذاتية يهرف فيها بما يزبرق هذا الاسم، وإذا كانت همة قوم في أسمائهم، والحفاظ عليها، فإن همتهم لا تجاوز نعالهم، ويا للأسف، ويا للمصداقية!
خاتمة.. لا مشاحة، ثمة سلبيات ومآخذ على الكتّاب، لكن هذا لا يعني أن نقنن الكتابة وننقط لها النقاط وكأنها آلية بحتة! أو نمارس دكتاتوريتنا وذوقنا الخاص البحت باسم: العلم والثقافة!