إن من أهم الأسباب التي أدت إلى تدني الإنتاج العلمي لطلاب الدراسات العليا التساهل في القبول، حيث نجد كثيرا من الأقسام العلمية لا تمانع من أن ينضم إلى الدراسة فيها طلاب في غاية الضعف العلمي والفقر الثقافي، بل إن الناظر في مستوى هؤلاء الطلاب وأمثالهم ليعجب أشد العجب من تجاوزهم الثانوية العامة فضلا عن تخرجهم من البكالوريوس وحصولهم على شهادة متخصصة في العلم الذي يبغون مواصلة دراستهم فيه، وإذا كان التساهل قد حصل سابقاً في مراحل التعليم العام ومرحلة البكالوريوس فإنه لا يليق بالقسم العلمي أن يفعل الشيء نفسه، فيتساهل في قبول هؤلاء الضعفاء، ويرضى بأن يدرسوا فيه، أيا كانت الأسباب، لأنه بهذا التساهل يسيء إلى سمعة الكلية التي يعمل تحت لوائها، بل يشوه سمعة الجامعة التي تحتضنه، ولا شك أن ذلك يمتد إلى سمعة البحث العلمي في الوطن؛ لأن هذا الطالب ربما تجاوز مرحلة الدراسة بأساليبه الخاصة، ثم أعد بحثا لا يسمن ولا يغني من جوع، ويتفاجأ الجميع في النهاية أنه منح درجة علمية عالية من خلال بحث رديء ودراسة سطحية لم تكن سوى مجرد نقول ليس فيها جديد ولا ما يفيد، وحين يتكاثر هذا النوع من البحوث فإنه بلا ريب سيعكس صورة القسم الذي سمح لهذه الرسائل أن تجاز بسبب مجاملات علمية أو عدم وعي بأهمية المناقشة أو غيرها من الأسباب التي أشرت إليها في مقال تحدثت فيه عن أسباب ضعف المناقشات العلمية.
إنني أقولها بكل أسف: لقد أضحت سمعة البحث العلمي في جامعاتنا مشوهة، وتشكل لدى الطلاب صورة نمطية سيئة عن كيفيه إعداده، حيث أصبح البحث في نظرهم من أسهل من شرب الماء، حيث لا يكلف إعداده دقائق معدودة، يقوم فيها الطالب بالدخول على مواقع الشبكة العنكبوتية، ونسخ ما يتصل بالموضوع منها، ثم لصقه في صفحات بحثه، دون أن يكلف نفسه عناء قراءة كلمة واحدة مما نسخه! وهذا الفعل ربما يهون عند آخرين يستعينون بالمكتبات ومراكز التصوير لتقوم بالبحث بدلا منهم، دون أن يعلم عن بحثه شيئا، وقد أشرفت على طلاب في البكالوريوس فاجأني بعضهم عند المناقشة أنه لا يعلم ما عنوان بحثه، وأشرف على آخر يسألني في بداية الفصل: هل يجب على الطالب أن يكتب البحث بنفسه أم يجوز أن يكتبه له غيره؟ وليت المصيبة تقف عند هذا، بل إنَّ الأمر يتجاوز الحدَّ حين تخرج النتائج، ويجد الجميع أنفسهم ناجحين بامتياز عند كثير من الأساتذة!
ولذا فإني أوجه نداء عاجلا من هذا المنبر إلى هؤلاء الأكاديميين أن يتنبهوا إلى أهمية مقرراتهم النظرية والتطبيقية، والتحضير لها تحضيرا استثنائيا، وأن يبذلوا كل جهد في إيصالها بكامل أسسها إلى الطلاب، والأهم من ذلك عدم التساهل إطلاقا مع أي طالب في درجات هذه المواد، وعدم التردد أبدا في (ترسيب) أي طالب يلاحظ عليه أي ملمح من ملامح الاستهتار بالمقرر، وجعله يعيد دراسته مرة أخرى، بل عدة مرات، بل ينبغي على جميع الأكاديميين أن يحرصوا على ألا يتخرج أي طالب لا يتقن أساسات هذا المقرر وأصوله النظرية والتطبيقية، لأنهم بذلك يخدمون البحث العلمي خدمة منقطعة النظير، ويحرسون حماه من المتطفلين، ويمنعون عنه الضعفاء الذين لا يعرفون من البحث سوى اسمه، ويظن أنه مجرد تجميع نقول من الكتب، وتجليد فاخر لأوراق مليئة بأسطر مرصوصة ربما لا يعرف عنها الباحث شيئا!
- الرياض Omar1401@gmail.com