- ينتمي كلٌ من «بالخلاص يا شباب» و»القوقعة» إلى ما يعرف بأدب السجون، التسمية التي يرى أمجد ناصر أنها حديثة نسبيا في المكتبة العربية، ويرجح أن البدايات كانت في مصر وتحديدًا في العهد الناصري، حيث اعتقل عبد الناصر معارضيه الذين ينتمي بعضهم إلى الحزب الاشتراكي وينتمي بعضهم الآخر إلى التيار الإسلامي أو الإخوان المسلمين على وجه التخصيص، غير أن هذه التسمية قد لا تكون دقيقة جدًا في حالة «الحاج صالح» و»خليفة»، لأن العملين ليسا أدبيين بحتين، ففي حين أن كتاب «بالخلاص يا شباب» كان مزيجًا من السيرة الذاتية والفكر الحقوقي والسياسي، كانت»القوقعة» سيرة ذاتية صرفة و مؤلمة !
- يلتقي الحاج صالح مع مصطفى خليفة في عدة نقاط، منها أن كلًا منهما اعتقل في زمنِ حافظ الأسد لأسبابٍ سياسيةٍ، وبرغم اختلاف السببين إلا أن النظام لم يكنْ لديه الوقت للنظر في ذلك، وإن كان لياسيننشاطٌ سياسيٌبانتسابه للحزب الشيوعي، إلا أنّ المفارقةَ تظهر في اعتقال مصطفى خليفة المسيحي الديانة على خلفية اتهامه بالانتماء لتنظيم الإخوان المسلمين الذي قُمع كل المنتمين إليه في سوريا في أحداث حماة 1982.
- ويبدو تعاطي الكاتبين مختلفًا مع تجربة السجن المريرة، فياسين كان قد اعتقل ستة عشرعامًا، تنقّل فيها بين سجن المسلمية في حلب وسجن عدرا في دمشق ثم قضى السنوات الثلاث الأخيرة في تدمر السجن المرعب، بينما رُحّل مصطفى منذ اعتقاله إلى سجن تدمر، وهوسجنٌ ذو سمعةٍ سيئةٍ ومخيفةٍ للغاية لدى كل السوريين، وربما هذا كان أحد الأسباب التي رسمت نهج كل من الكاتبين في السجن خلال هذه السنين الطويلة.
- يبدو ياسين الحاج صالح أكثر تآلفًا مع نفسه بعد خروجه من السجن وحتى داخله، واستطاع أن يكيّف نفسه مع ظروف السجن معتنقًا ما أسماه الاستحباس، بما يعني التوطّن والاعتياد ونسيان حساب الأيام، ويرى في ذلك آليةً تساعد السجين في الحفاظ على عقله ورباطة جأشه، بينما بدتْ آليات مصطفى مختلفةً حيث أفاد كثيرًا من طريقة زملائه المعتقلين المسلمين في الحفظ، حفظ القرآنِ والأسماءِ والتواريخِ ليكونوا سجلاتٍ متنقلةً تُــظهر كلَ هذه المعلومات _عن السجناء الذين يموتون داخل السجن- إلى العالمِ إن كُـتب لهم خروجٌ إلى النور، ولذا كانت آليته في عيشِ التجربةِ نوعاً من التوثيق الشفاهي حتى توافرت له أدواتٌ كتابيةٌ بعد خروجه.
- عاش مصطفى في قوقعته التي فرضها عليه النظام ثلاثَ مراتٍ، مرةً في اعتقاله دون تهمةٍ واضحةٍ سوى تقرير مفسدٍ من زميلِ دراسةٍ له، ومرة حين انعزل عنه المعتقلون المسلمون الذين رأوا فيه كافرًا وآمنوا بكونه جاسوسًا دسّه النظام بينهم، إذ كيف يعقل أن يُـسجن مسيحيٌ بتهمة الانتماء للإخوان المسلمين ! وكانت قوقعته الثالثة عزلته الاختيارية التي فرضها على نفسه، فلم يستطع بعد ثلاثة عشر عامًا من العزلة والصمت أن يتقبّل فكرةََ كونه حرًا فانعزل عن أقاربه إلا في أضيق الحدود. بينما نجد الحاج صالح متخلصًا من هذه القيود نوعًا ما، إذ هو يحاول أن يشرّحَ معاناة المعتقل بعد خروجه من خلال علاقاته بأسرته وأصدقائه، لكنه «ياسين»يبدو متجاوزًا لكل هذه التعقيدات.
- يتفق الكاتبان على أنهما ليسا بطلين ولا ينبغي اعتبارهما كذلك، كما أن الملاحظ لديهما أنهما لا يمجدان نفسيهما في بطولاتٍ فارغة أو ورقية، يتحدثان عن الخوف والجوع والتعب والضجر كأي إنسانٍ طبيعي، وهذا ما يجعل السيرتين - إذا اعتبرنا بالخلاص يا شباب، وبالمناسبة هي العبارة التي كان يتداولها السجناء بدلًا من «دايمة» التي يقولها السوريون بعد كلِ وجبة، إن اعتبرناها سيرة- عملين حقيقيين وواقعيين، وربما كان ما ذكر فيهما - وفي القوقعة أكثر- من أساليب التعذيب التي يبتكرها سجانوهم ما يفوق الخيال أو الوصف، ولذا يدهشنا السجان بفنون التعذيب التي لا تخطر على ذهن بشر، رغم أن الحيوان لا يعذب ضحيته ولا يقتل لمجرد القتل والترفيه.