أي دمعة حزن.. لا!
« كل عين تعشق حليوة
وأنت ياحلوة في كل عين
ياحبيبتي أنا قلبي عاشق
واسمحي لي بكلمتين
كلمتين يامصر يمكن
هما آخر كلمتين
حد ضامن يمشي آمن
أومِآمن يمشي فين»
أي كلمات قد يستوعبها الورق وأي كلمات قد تشفي ألم محبيك وأي صباح هذا الذي يخلو من سفير الفقراء ونصير الغلابة؟! لم أكن أعلم أنني أحبه بهذا العنف وبهذا الصدق.. لم أكن حتى أتابع أخباره كنت أحب أشعاره من بعيد وكنت أحب وجهه المليء بهموم مصر وأحب ضحكته وسخريته وأحب جلابيته التي لا تليق إلا به..
موته لم ينحرنا حزنا فقط.. بل نحر الشعر في منبعه ومن الوريد إلى الوريد.. لا أحد يستطيع أن يكون هو أو يكون مشابها له حتى..
( أيموت نجم)؟!
أتنهار الأهرامات ويدفن أبو الهول؟! أيعقل هذا يا مصر؟!
أيرحل الفاجومي بهذه الطريقة وبهذه البساطة وبهذه السهولة؟ نجم الذي ملأ الدنيا ضجيجا واعتراضا وسخريةً وشعرا والذي كدر صفو الساسة واحدا تلو الآخر يرحل دون إشارة؟ نفيق في الصباح نحتسي قهوتنا ننظر إلى الهاتف فنقرأ «بعض الأنباء تؤكد وفاة أحمد فؤاد نجم».. هكذا!!
كنت أتوقع أن يضج الناس.... إنه الفاجومي كيف يرحل في سكون؟!
«ومازالت آثار الضرب واضحة على جسد نجم حتى الآن» وما زال يحس بألم مصر وألم الأيتام والفقراء والغلابة حتى مات.. لم تسرقه الشهرة ولم تستطع أي حكومة أن تشتريه.. عاش بطلا ومات بطلا وبين البطولتين ولدت مئات القصائد وعشرات المواويل ولدت كلمة ضد وكلمة حرية وكلمة ثورة وكلمة لا..!
جاء من رحم الفقر والحرمان فكان نبض أم الدنيا المتعففة الكريمة نبض الشارع ونبض الذي يسير على الشارع بلا حذاء ونبض الذي يتوارى وسط عشه ونبض الذي يتكئ على الرصيف.. عاش وفيا لهذه البلد التي لا تهدأ.. تنام على جرح وتصحى على جرح تداوي جرح فينبت جرح.. يسخر من حال بلاده يسخر من الظلم والظلام من الجلاد والسجن والسجان.. يضحك فتضحك معه ست الدنيا.. جمع الأجيال تحت جناحه.. لم يشخ الفاجومي ولم تشخ أشعاره ولم تشخ أفكاره ولم تشخ أحلامه بمصر البهية الحرة.
سيعيش في وجداننا وبين أروقة قلوبنا ما حيينا.. من هم على شاكلته لا يموتون ولا يدفنون ولا تُذرف عليهم الدموع.. لكننا بشر أبكانا ذلك الصندوق المتواضع وذلك الجسد النحيل المسجى بشموخ والمحمول على أكتاف من أحبوه ومن ساروا على دربه..
أبكانا رحيلك يا نجم وصدق من قال عنك: «إن فيه قوة تسقط الأسوار».. وكذب من قال عنك: «الشاعر البذيء».
رحم الله أحمد فؤاد نجم.
- دبي @amerahj