تقام في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط مهرجانات للثقافة في مجالات الأدب والفن. وكانت هذه المهرجانات تستثمر لصالح البلدان الحاكمة ولصالح رؤوساء تلك البلدان حيث تتحول الثقافة إلى مهرجان تسودها عادة الولائم والعزائم فتبذخ الدولة على المدعوين وتقدم لهم في نهاية المهرجان ساعات ذهبية وحقائب فيها مظروف مالي وتحاول البلدان ومؤسساتها الثقافية جذب الأسماء الأدبية نحو سياسة تلك البلدان. وهذه المهرجانات وضحت كثيرا في البلدان الشمولية وبنسبة أقل في البلدان غير الشمولية وبصيغ مختلفة نسبيا لكنها في النهاية تحول الثقافة إلى مهرجان.
وهنا بات المثقف وهو عادة في وضع لا يحسد عليه يتهافت للحصول على دعوة من هذا المهرجان أو ذاك وتبدأ أحلام السفر وسهرات الليالي تتمركز في مخيلة المثقف، وتبدأ أحلام الفوز بالجوائز من أجل أن يحصل الأديب أو الفنان على مبلغ الجائزة أو أن يحصل الفنان على دعم لإنتاج فيلم سينمائي.
التقييم شيء مهم وجميل للفنان ويمنح المثقف شيئا من الفرح والاطمئنان الذي بسبب الأوضاع السياسية القائمة في المنطقة يشكل حالة من الاستقرار النسبي سواء على المستوى الاقتصادي أو على مستوى تحقيق الذات.
وبسبب تدهور الواقع السياسي انحسرت تلك المهرجانات التي حولت الثقافة من إبداع إلى احتفاليات وسجاجيد حمراء وكاميرات وأضواء فحسب وغاب المضمون وغاب هدف الثقافة.
نحن في المنطقة العربية لا نزال نعيش مفهوم العشيرة على صعد كثيرة. ومفهوم العشيرة يسود الآن عالمنا ويبرز بشكل واضح وهذا ما لمسته أنا في العراق حيث يغيب القانون الوضعي للدولة ويبرز قانون العشيرة. يحصل ذلك بسبب التراجع السياسي والاقتصادي، ونرى هذا المفهوم يتكرس في الثقافة.
ماذا أنتج المثقف العربي، الأديب العربي، والفنان العربي، على كافة الصعد؟! أعني القيمة الثقافية للفكر وأية أسماء مثل الأسماء الأولى التي برزت في بداية ومنتصف القرن العشرين قد حققت من الإنجاز الذي يؤثر ويؤرخ؟!
صحيح أن شكل الكتاب مثلا قد تطور وأصبح زاهيا بسبب تدفق النفط وظهرت مطبوعات أنيقة، ولكن أي مضمون نبيل وجميل تحتوي كل تلك المطبوعات؟!
كل الكتب التي تملأ الأسواق لا يقتنيها المتلقي. وهنا أود أن أضرب مثالا واضحا في مجال الأدب وتسويق الأدب. فعندما أختيرت بغداد عاصمة للثقافة العربية للعام 2013 فتحت فرص طباعة الكتاب أمام الأدباء فحصل الكثير من الأدباء على فرص طباعة مؤلفاتهم على حساب الدولة مع هدية مالية تشكل تقييما للكاتب لا تساوي ثلاث وجبات طعام. وبعد شهور من بدء طباعة المؤلفات والتي رميت ميزانياتها أمام دور النشر فإن الوزارة التي تسلمت المطبوعات من دور النشر قد كدست تلك المطبوعات في مخازنها فامتلأت المخازن بالمطبوعات التي خلال العام قد دهمتها الرطوبة فألتوت أغلفتها وأصفر لون الورق فصار مدراء المخازن يهاتفون دور التوزيع لوضع تلك الكتب في مخازنهم ومكتباتهم لكن أصحاب تلك الدور صاروا يرفضون تسلم المطبوعات لعدم وجود أمكنة الخزن! فصار مأمورو المخازن يهاتفون محلات بيع الحلويات لاقتناء الكتب!
في مجال السينما فإن الأفلام التي أنتجت تعاني هي الأخرى من فرص النشر والتوزيع، وسألت إدارة السينما يوما أين ستحتفظون بتلك الأفلام فحجم الفيلم السينمائي هو غير حجم المطبوع، فأنتبهوا أنهم لا يمتلكون المخازن النظامية لحفظ تلك الأفلام وأنها في النهاية سوف تتلف بعد أن يتم عرضها في مهرجان سينمائي تفرش فيها السجادة الحمراء ثم تتلوث بسبب الأمطار وتحول الشوارع إلى أتربه وطين وهي صورة واضحة للقيمة الثقافية الفنية والأدبية لأن كل شيء ليس له حساب في عالمنا وفي المقدمة منه الثقافة!
- هولندا K.h.sununu@gmail.com