كان يوما من أيام الوفاء اجتمع فيه كوكبة من أساتذة اللغة العربية في جامعة الملك سعود ونخبة من طلابهم، هذا اليوم هو يوم تدشين الكتاب التذكاري المهدى إلى فقيد اللغة الدكتور عبد العزيز بن عبد الكريم التويجري الذي فارق حياتنا الفانية إلى رحاب الله تاركا مآثر لا تنسى.
رعى حفل التدشين الدكتور ناصر الحجيلان من موقعه الحاضر كوكيل لوزارة الثقافة للشئون الثقافية ومن ماضيه كزميل للفقيد وأستاذ في كلية الآداب وحضره أبناء الفقيد وذووه وعدد من محبيه وفي قاعة مجاورة احتشد أيضا أخوات من أستاذات اللغة العربية وبنات الفقيد.
قدم الحفل وأداره بأسلوب أدبي رفيع الدكتور محمد البقاعي الذي تحدث بداية عن الفقيد ومناقبه ثم تحدث عن قصة الكتاب والمراحل التي مر بها حتى أصبح بين أيدينا كما تحدث عدد من المشاركين في الكتاب متابعة وإخراجا وطباعة.
ولكن ما هو هذا الكتاب وما المضمون الذي حمله سؤال لا بد أن يثار في مواجهة كتاب غير تقليدي فقد يتبادر إلى الأذهان أن الكتاب عبارة عن مراث للفقيد كما هي العادة لكنه مختلف تمام الاختلاف إذ إنه مجموعة من الأبحاث اللغوية المحكمة والنادرة في مجالها وأهدي الكتاب إلى الفقيد الدكتور عبد العزيز التويجري وهو تقليد جميل من زملاء الفقيد فقد ارتأوا أن أخاهم وزميلهم أفنى حياته باحثا في اللغة ومحبا لها فأهدوه أبحاثا ربما لو كان حيا لكان له باع ويد طولى في إثرائها.
وأقتطف هنا ما جاء في الغلاف الأخير للكتاب من تعريف له حيث كتب عليه «لقد تداعى أعضاء قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة الملك سعود لإحياء ذكرى زميلهم واتخذ مجلسه قرارا بطباعة سلسلة من الكتب لتكريم رواده ومن خدموا فيه العلم سنوات طوالا، واقتضت براعة الاستهلال أن يكون أول الكتب مهدى إلى فقيد القسم الأستاذ الدكتور عبد العزيز بن عبد الكريم التويجري رحمه الله.
هذا كتاب علمي محكم جبل بخصلة الوفاء فجاء يفوح بشذا كوكبة من الباحثين تداعوا لتكريم ذكرى أخ أحبوه في الله وأحبهم فيه ولو سألت أيا منهم لجادت قريحته بموقف مع أبي محمد رحمه الله، كان كثير الحديث عن رحلاته العلمية إلى القاهرة ودمشق وإستانبول وغيرها سعيا وراء المخطوطات العربية والكتب العربية التي ملكت قياد أمره فكان ناشرا ومحققا وباحثا. وفجأة جاء أمر الله الذي لا يتأخر ولا يتقدم، وخطفته يد المنون لتبقى الذكريات، وليطيب الوفاء.
نسأل الله أن يتقبل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم وأن يكون ما فيه من علم ينتفع به بإذنه تعالى صدقة جارية يجزى بها زميلنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وقبل الدخول في تفاصيل الكتاب أنقل للقارئ الكريم جوهر ما تحدث به زملاء الفقيد عنه وابنه محمد وابنته الدكتورة موضي فقد أجمعوا على الخلق العالي الذي كان يتمتع به الفقيد وكيف أنه لم تفارقه الابتسامة حتى في أحلك الظروف وأشدها مشيرين إلى شيء من دعاباته وممازحته لزملائه إلى جانب ما تحدث به ابنه وابنته وابن اخته عن سلوكه العائلي وأسلوبه في تربية أبنائه وكيف غرس فيهم حب العلم وعن عشقه للكتاب وحرصه على اقتناء الكتب في كل رحلة من رحلاته.
الدكتور ناصر الحجيلان وكيل وزارة الثقافة تحدث بكلمة ضافية عن الفقيد وبعض الذكريات إبان كان في قسم اللغة العربية رئيسا لمجلس القسم وكيف كان أسلوب الدكتور التويجري رحمه الله في توجيه طلابه وحتى في الاختبارات وتوجيه الأسئلة في اختبارات القبول حيث كان مدرسة في فنه وأسلوبه.
وندخل الآن في عرضنا للكتاب الذي يعد مرجعا في فنه وبغية لعشاق اللغة العربية وآدابها بما اشتمل عليه من أبحاث جمعت نخبة من أئمة اللغة وأعلامها.
يقع الكتاب في 342 صفحة من مقاس A4 ويتكون من السيرة العلمية والعملية للفقيد فكلمة اللجنة المشرفة على الكتاب ثم كلمة عميد كلية الآداب وكلمة رئيس قسم اللغة العربية وآدابها وستة أبحاث في اللغة العربية وستة أبحاث أدبية وثلاث شهادات.
ويمكن أخذ الانطباع الأول عن محتوى الكتاب وقيمته من خلال اللجنة التي أعدته وأشرفت عليه وكذا من خلال لجنة تحكيم الأبحاث المنشورة فيه.
فقد ضمت لجنة الإشراف على الكتاب في عضويتها كلا من الدكاترة:
1- د. عبد الحق عمر بلعابد - مقررا
2- أد. ناصر بن سعد الرشيد - عضوا
3- أد. محمد خير البقاعي - عضوا
4- أد. أحمد ناجي حيزم - عضوا
5- د.عبد الرحمن بن إبراهيم الدباسي - عضوا
6- أ.عبد الله بن محمد الرميحي - عضوا
أما المحكّمون فهم
1- أ.د. إبرهيم بن سليمان الشمسان
2- أ.د. إحمد بن مطر العطية
3- أ.د. صالح بن سليمان العمير
4- أ.د. صالح بن معيض الغامدي
5- أ.د. عبدالله بن سليمان الجربوع
6- د. علي عبد الله إبراهيم
7- أ.د. فالح بن شبيب العجمي
8- أ.د. محمد بن عبد الرحمن الهدلق
9- أ.د. محمد بن ناصر الشهري
10- أ.د. مرزوق بن صنيتان
وقد جاءت الأبحاث اللغوية الستة حاملة العناوين التالية:
1- نظرية الحجاج: اتجاه جديد في الدرس البلاغي الحدث للأستاذ الدكتور نعمان بوقرة أستاذ تحليل الخطاب بقسم اللغة العربية في جامعة الملك سعود وتحدث البحث الذي جاء في 27 صفحة عن نظرية الحجاج من المحاججة وليس الحجاج الثقفي باعتبارها حلقة وصل بين النظرية اللسانية المعاصرة في توجهاتها النصية والخطابية، والتصور البلاغي القديم في أصوله الأرسطية وامتداداته البيانية في التفكير البلاغي النقدي العربي.
2- أما البحث الثاني فهو تحت عنوان «مجامع اللغة العربية ودورها في خدمة اللغة العربية» للمرحوم الدكتور عوض القوزي والذي جاء في 8 صفحات وتحدث الباحث عن المجامع اللغوية من منطلق الإحساس بالفجوة بين هذه المجامع ومجتمعنا العربي لا سيما في عصر امتدت فيه أشرعة العولمة لتغطي كل شيء يقي للأمة العربية من تاريخ وعلوم وحضارات وتراث لغوي أو مادي.
3- وكان البحث الثالث بعنوان «التطور الدلالي للألفاظ عند اللغويين تفسير البحر المحيط أنموذجا» للدكتور عمر علي المقوشي أستاذ النحو والصرف المساعد بجامعة الملك سعود في الرياض والذي جاء في 25 صفحة وتحدث فيه الباحث عن علاقة اللفظ بالمعنى لاكتشاف المعاني من خلال الألفاظ الموضوعة لها ومنها الترادف والاشتراك والتضاد حيث عني الفقهاء واللغويون بتفسير القرآن الكريم ويعتمد تفسير القرآن وتأويله على فهم معاني الألفاظ التي على أساسها نفهم دلالات النص بجمله.
4- ونصل إلى البحث الرابع من المباحث اللغوية في الكتاب والذي حمل عنوان «من سياقات الدلالات الضمنية في التواصل اللغوي «للأستاذة الدكتورة وسمية عبد المحسن المنصور جامعة الملك سعود قسم اللغة العربية والذي جاء في 24 صفحة وتحدثت فيه الباحثة عن إشكالية أثر الرسالة اللغوية من المرسل إلى المستقبل أي من المتكلم إلى السامع ويعرف الباحثون «أن كثيرا من الثورات العلمية جعلت التفكير البشري في هذا العصر يعتمد الرؤية النقدية الشمولية التي دكت الحدود الفاصلة بين الاختصاصات ومن هذا المنظور انطلقت اللسانيات لتطيح بمقولة ديكارت (أنا أفكر إذا أنا موجود) وتعوضها بمقولة (أنا أتكلم إذا أنا موجود).
5- والبحث الخامس من أبحاث الكتاب اللغوية للدكتور محمد لطفي الزليطني بعنوان» تداخلات الخطاب مع الهويات المختلفة نماذج تطبيقية «وقد جاء في 19 صفحة تحدث فيه الباحث عن تقديم رؤية مختلفة عن مفهوم الهوية الاجتماعية في علاقتها بالخطاب على أنه أي الخطاب يتحدد أساسا بالملامح الاجتماعية للسياق والانتماءات الاجتماعية للأطراف المشاركة فيه فالخطاب ذاته بمكوناته وأسلوبه ونبرته يسهم هو الآخر في تحديد الهوية الاجتماعية لأصحابه والأطراف المشاركة فيه.
6- ونأتي إلى البحث السادس من الأبحاث اللغوية في الكتاب وهو تحت عنوان «أثر الأمثال العربية في التوجيه النحوي « للدكتور رمضان خميس القسطاوي الأستاذ المشارك بجامعة الملك سعود وجامعة الأزهر وتحدث فيه البحث ب80 صفحة عما تمثله الأمثال العربية القديمة من تراث حضاري ضخم لأمتنا العربية باعتبارها وعاء حكمتها وخزائن تجاربها وهي كنز من كنوز العربية ودفائنها الثمينة مبينا سبب اختياره للموضوع وخطة الكتابة فيه موردا جملة من أشهر الأمثال مع الشرح وبيان الدلالة.
أما الأبحاث الأدبية في الكتاب وهي أيضا ستة أبحاث كما أوردنا فقد بدأها الدكتور منذر ذيب كفافي أستاذ الأدب القديم ونقده المشارك – جامعة الملك سعود وقد حمل البحث عنوان «استقصاء المعاني: رؤية نقدية لمرثية ابن الرومي الدالية» حيث يتناول البحث دراسة ظاهرة لا يمكن إغفالها في شعر ابن الرومي وهي استقصاء المعاني واستحضارها ويقع البحث في 23 صفحة.
البحث الثاني من الأبحاث الأدبية في الكتاب فهو للأستاذ الدكتور فضل العماري بعنوان» بداوة جرير وعلاقته بالوشم خاصة «ويقع البحث في 25 صفحة من صفحات الكتاب ويتحدث فيه الباحث عن ما ذهب إليه الدارسون على وضع جرير في مستوى أدنى من الفرزدق مع أن الاثنين من تميم وكلاهما بدويان مستعرضا كثيرا من الآراء في هذا الجانب ومبينا خطأ بعضها وصواب الآخر وكيف أن جرير كان من الوشم شمال اليمامة.
ونأتي إلى البحث الثالث من مباحث الكتاب الأدبية والذي حمل عنوان «المفاضلة بين المنظوم والمنثور في التراث النقدي العربي» للدكتور حسن عجب الدور حسن محمد من قسم اللغة العربية وآدابها جامعة الملك سعود والذي تحدث فيه الباحث في 27 صفحة عن المفاضلة بين النظم والنثر في التراث العربي وهي المفاضلة التي بدأت هادئة وما لبثت أن عظم أمرها حتى بلغت درجة التعصب والتحيز إلى إحدى الفئتين مما هوى ببعض أنصار الفريقين إلى الضحالة وسذاجة الفكر النقدي.
فيما خصص البحث الرابع من المباحث الأدبية للحديث عن غفران المعري وتوابع ابن شهيد بعنوان» بين غفران المعري وتوابع ابن شهيد « للدكتور عثمان صالح الفريح الأستاذ المشارك بقسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود وقد جاء البحث في 11 صفحة تحدث فيه الباحث عن موضوع رسالة التوابع والزوابع لابن الشهيد ورسالة الغفران لأبي العلاء المعري وكيف أن الباحثين أثارت لديهم هاتان الرسالتان عددا من التساؤلات ومضوا يتلمسون أوجه التاثير فيها وكيف أن هذا البحث لا يعنيه تاريخ كتابة الرسالة ولا اسم الشخص المهداة إليه بقدر ما يعنى بالتدليل أن ابن شهيد والمعري كلاهما متاثر بقصة المعراج التي تحكم صعود الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء إلى السموات العلى في صحبة جبريل عليه السلام.
ونصل إلى البحث الخامس من أبحاث الكتاب الأدبية وهو بعنوان « حوارية العقل المعرفي والعقل التخيلي عند المفكر الروائي عبد الله العروي « والبحث للكاتب الدكتور عبد الحق بلعابد أستاذ نظرية الأدب والأدب المقارن قسم اللغة العربية – جامعة الملك سعود ويقع في 13 صفحة من صفحات الكتاب وفيه يتحدث الباحث عن كيف أن التجارب الإنسانية لا تخلو من وجود مفكرين وفلاسفة منذ أرسطو والفارابي واوغسطين وابن رشد وابو حيان التوحيدي ونيتشه وكيف أن هؤلاء جميعا كان لهم نصيب في التدبيرات الأدبية لأن الأدب فاكهة يتذوقها الخواص ويتفكه بها العوام ومن هنا جاءت فكرة البحث عن الجامع بين الفكر والأدب.
وكان خاتمة الأبحاث الأدبية وخاتمة الكتاب هو بحث الدكتور محمد رضا بن عبد الله الشخص أستاذ علوم البلاغة والنقد العربي المشارك بقسم اللغة العربية في جامعة الملك سعود بعنوان «قضية اللفظ والمعنى بين الشريف المرتضى والشريف الرضي»ويقع البحث في 23 صفحة يتحدث فيه الكاتب عن قضية اللفظ والمعنى التي شغلت كثيرا من العلماء ولم تقتصر على النقاد والبلاغيين بل خاض فيها المفسرون والأدباء والفلاسفة وعلماء الكلام وحتى أهل النحو والصرف ويوجه البحث اهتمامه إلى الاختلاف حول هذه القضية بين الأخوين الشريف المرتضى والشريف الرضي وطريقة تعاملهما في تحليل النصوص.
قراءة في شهادات زملاء الدكتور التويجري عنه
ونختتم تغطيتنا لهذه المناسبة بما قاله زملاء الدكتور عبد العزيز بن عبد الكريم التويجري عنه مبتدئين بما كتبه الدكتور إبراهيم الشمسان، حيث قال في شهاداته «لقيت الأستاذ الدكتور عبد العزيز بن عبد الكريم التويجري - رحمه الله- أول مرة عام 1421هـ في المجلس العلمي في جامعة الملك سعود حين جاء لتقابله اللجنة المكلّفة مقابلة المتقدّمين للعمل في الجامعة إذا كان تقدّم للعمل في قسم اللغة العربية رغبة منه في العمل الأكاديمي بعد حصوله على الدكتوراه وكان على الرغم من أهمية العمل الذي يزاوله في وزارة الإعلام راغباً عنه في سبيل استكمال طموحه الأكاديمي، كلّفت في ذلك اليوم أن أنضم إلى تلك اللجنة مندوباً عن القسم المختص لأتوجه إليه بجملة من الأسئلة التي تبيّن مدى تمكنه من اختصاصه ولأبين للجنة حكمي على صلاحه للعمل في قسم اللغة العربية، رأيته وهو يجيب على عن الأسئلة بهدوء وثبات وثقة فكان أن ترك أثراً طيباً في أنفس أعضاء اللجنة، ومنذ ذلك التاريخ سعدنا بصحبته في قسم اللغة العربية، وكان مثالاً للجد في عمله والمثابرة والتفاني في خدمة أبنائه الطلاب، تميز بهدوئه ودقته، وجمع إلى سعة علمه واطلاعه تواضعه الجم والاحترام والتقدير شيئاً كثيراً.
سعدت كثيرا بالعمل معه وتشرفت بحضوره بعض منا قشاتي للرسائل العلمية ولا أنسى مداخلته في حلقة (ضيف على الهواء) عن الأدب واللغة التي استضافني فيها الدكتور عبد الله الحيدري، وشاركته مناقشة بعض الرسائل العلمية واستفدت منه كثيراً وتشرفت في 5 رجب 1431هـ بتقديمه في دارة العرب محاضراً عن «التصحيف والتحريف في العربية « ولعل كثيراً من طلاب العلم لم يطلعوا على أعماله المبكرة ولذلك أرى أن من المناسب هنا أن أذكر ما كنت كتبت عن رسالتيه العلميتين حين كلفت قراءتهما والكتابة عنهما.
وأورد الدكتور الشمسان في شهادته ما كتبه عن رسالتي الدكتور التويجري من ملاحظات لا يمكن لنا إيرادها هنا خشية الإطالة على القارئ رغم أهمية ما فيهما.
أما الدكتور عبد الرحمن بن إبراهيم الدباسي فقد جاء في شهادته بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله «فقد فجع منسوبو قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الملك سعود بوفاة الزميل الفاضل الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن عبد الكريم التويجري يوم السبت الرابع عشر من شهر شوال عام 1433هـ إثر مرض عضال لم يمهله طويلاً وقد كان وقع الوفاة قاسياً على زملائه ومحبيه من داخل الجامعة وخارجها لما يتمتع به الفقيد رحمه الله من سماحة طبع ودماثة خلق.
وقد كانت لي مع الدكتور عبدالعزيز - رحمه الله- ذكريات جميلة وأيام لن أنساها ولعلي لدواعي الإيجاز في هذه الشهادة أن أقف على خصلتين من خصاله هما من أوضح ما لفت انتباهي في شخصه الكريم.
الأولى: ولعه بالقراءة والاطلاع لا يمل ولا يفتر، كان نديماً للكتاب مكباً عليه فكنت لا تسأله عن كتاب أو مؤلف أو محقق إلا وجدت عنده عنه خبراً وبياناً، كثير الاتصال بالعلماء والمؤلفين والمحققين.
الثانية: كان الراحل رحمه الله ذا براعة وحذق في كسب ود كل من لقيه أو عرفه فكان قريباً من الناس كلهم لما يتمتع به من لباقة وظرف وسمت وأدب جم ولسان دائم الشكر والثناء، ولا أعرف له رحمه الله أعداء أو خصوماً، إذ كان مسالماً سمح الطبع، لين العريكة، وقد بلوته فعلمته شاكراً، مثنياً، لا ينسى معروفاً يسدى إليه، وإن أنسى لا أنسى أنني أعرته قطعة من مخطوط جمهرة أنساب قريش للزبير ابن بكار، بخط الشيخ محمود محمد شاكر رحمه الله نسخها بخط يده ومنحني نسخة مصورة منها حين زرته في بيته في القاهرة، وكذا نسخة من مخطوط جمهرة النسب لابن الكلبي، فكان كلما لقيني ذكرني بهما وشكرني على ما أوليت وأسديت مع علمي، إنه لم يفد منهما كثيراً لبعدهما عن تخصصه ولكنه الوفاء وحسن الخلق.
ونختتم بهذه الشهادات الأستاذ الدكتور عوض القوزي رحمه الله حيث قال «عرفت الدكتور عبدالعزيز قبل لقائه إذ قرأت أعماله البحثية بغية تقويمها بتوجيه من رئاسة قسم اللغة العربية للتوصية ما إذا كان الباحث أهلاً للانضمام إلى عضوية العاملين في تدريس اللغة العربية بالقسم، وبعد قرأت رسائله العلمية فرأيت الجدية في البحث مصحوبة بالعمق والقدرة على استخراج الحقائق العلمية كما رأيت الحوار الهادئ والمناقشة الواعية وصدق العبارة والأمانة العلمية والاطلاع الواسع على مصادره الأصيلة.
لقد أعجبت بما قرأت وتأكّد لدي أني أمام باحث غير عادي، باحث يتمتع بنضج فكري ومعرفة لغوية تترجمها قدرته البحثية واطلاعه الواسع الواعي على مصادر اللغة، فلم يكن أمامي إلا التوصية بشدة لاستقطابه والحرص على أمثاله.
وفي الوقت الذي سبقت شهادتي بقدراته العلمية المتميزة رؤيته كنت أتطلع إلى لقائه ومشافهته في شؤون البحث وشجونه وكان لي ذلك، حيث شرفت باستقباله في مكتبي وابتدرني بالسلام وقابلته بالتحية، شعرت وأنا أحدثه أننا لسنا غرباء عن بعض بل أحسست أننا على معرفة متينة قديمة، فكان لقاء أخوياً مكننا من التبسّط بالحديث، فضربنا في ذلك شرقاً وغرباً.
رحم الله الدكتور التويجري والدكتور عوض القوزي وأبدل الأمة عنهما خيراً وبارك الله في جهود الأحياء من العلماء العاملين.