لم يجد مجالاً لقضاء المدة الفاصلة بين تعيينه أميناً عاماً لمجلس التعاون (ديسمبر 1995)، وبين مباشرته العمل (أول أبريل 1996) أفضل من الحضور يومياً إلى مقر الأمانة العامة للمجلس ليدرس ويطلع، ويقابل المسؤولين ليتعرف عن كثب على أبرز القضايا والشؤون التي تشغل المجلس، ويتعين أن تكون موضع اهتمامه في المرحلة المقبلة. وقد مثل مقدم معاليه إلى المجلس اختياراً موفقاً قل عادة أن تحظى بها المنظمات الإقليمية والدولية.
لكن الاختيار كان ذا دلالة واضحة على مدى الأهمية والتقدير الذي توليه حكومة المملكة العربية السعودية لمجلس التعاون وإيمانها برسالته، وحرصها البالغ على توفير الدعم اللازم لإنجاح مسيرته. ومما لا شك فيه أن الدعم بالقيادة المناسبة أعظم شأناً وأهم من أغلب أساليب وأنواع الدعم الأخرى التي قد توفرها الدول لمنظماتها.
استطاع معاليه أن يحدد منذ الأيام الأولى أبرز قضايا العمل المشترك لمجلس التعاون وأكثرها أهمية لتعزيز التعاون والتكامل بين دوله. فإلى جانب عدد من القضايا السياسية والأمنية والعسكرية التي تشكل على الدوام محاور بارزة في نشاط المجلس، كان هناك العديد من الأمور في مختلف مجالات العمل المشترك التي ينبغي أن تأخذ الأولوية. ففي الجانب الاقتصادي، هناك الكثير من الأهداف التي تضمنها النظام الأساسي والاتفاقية الاقتصادية ولم تزل بحاجة إلى المزيد من الجهد لتحقيقها. وقد مثل الاتحاد الجمركي، والسوق المشتركة، والاتحاد النقدي، وهي الجوانب التي تعد مراحل أساسية في تحقيق التكامل الاقتصادي أبرز التحديات التي يلزم الأمين العام الجديد مواجهتها. بل إن الاتفاقية الاقتصادية ذاتها كانت بحاجة إلى تعديل لتعكس المرحلة الراهنة في مسيرة عمل المجلس.
وكانت الحاجة ماسة كذلك إلى إنجاز بعض المشروعات والمؤسسات المشتركة الضرورية لعملية التنمية الاقتصادية وتحقيق الترابط في البنى الأساسية لدول المجلس، إلى جانب العمل على بعض القضايا الملحة مثل تطوير الأنظمة والقوانين في بعض المجالات المهمة في العمل المشترك، وإصلاح النظام التعليمي ومعالجة خلل التركيبة السكانية. وعلاوة على ذلك هناك العديد من النشاطات والفعاليات القائمة سواء على مستوى الأمانة العامة أو على مستوى الدول الأعضاء أو خارجها والتي ينبغي المحافظة على استمراريتها وتوفير الدعم اللازم لتفعيلها وتواصلها.
وبقدر ما يسمح الحيز هنا، فإن الفقرات التالية ستتناول طرفاً من الإنجازات (القرارات) التي تحققت خلال الفترة التي قضاها معاليه أميناً عاماً لمجلس التعاون (1996-2002)، مع حصر العرض في عدد محدد من الموضوعات أو القضايا التي صدرت بشأنها قرارات من المجلس الأعلى، مما جرت الإشارة إليه أعلاه. ولن يتطرق العرض إلى القرارات التي صدرت عن المجلس الأعلى في المجالات السياسية أو العسكرية أو الأمنية، كما لن يتطرق إلى النشاطات والفعاليات التي كانت تنفذ بشكل مستمر تحت رعاية وإشراف ومتابعة معاليه في مختلف أوجه العمل المشترك، مثل الثقافة، والإعلام، والرياضة، وغيرها وتنوعت ما بين اللقاءات الدورية وغير الدورية، والزيارات، والندوات، والمعارض، والدورات الثقافية والرياضية، ومئات الاجتماعات الدورية لمجموعة كبيرة من اللجان الوزارية والفنية وغيرها من أوجه النشاط التي تعد مكوناً أساسياً في تطور عمل المجلس وتحقيقه لأهدافه. كما لن يتطرق إلى الجهود التي بذلها معاليه للتغلب على صعوبات العمل المشترك أو إلى ما حدث من تطورات على أرض الواقع نتيجة للقرارات أو الفعاليات التي اتخذت في إطار المجلس أو أمانته العامة خلال الفترة، مثل التغير في تملك العقار، أو حجم التجارة البينية أو عدد براءات الاختراع، أو المواصفات القياسية، وغير ذلك مما يمكن أن تعد مؤشرات على أثر المجلس.
ومع إدراك أن مسيرة مجلس التعاون مبنية على أهداف وغايات تتحقق زمنياً عبر مراحل وخطوات متواصلة ومستمرة، وأن ما ينجز خلال فترة معينة يمثل لبنة تضاف إلى غيرها لاستكمال ما يتطلبه البناء من لبنات، إلا أن من المؤكد أن ما تحقق خلال فترة معاليه مثل، سواء من حيث النوع أو الكم، مرحلة أساسية في عمر المجلس كان لها تأثيرها البالغ على مسار ومستقبل العمل المشترك.
ولعل أبرز ما يحسن البدء به ما يتصل بالجانب الاقتصادي، باعتباره محوراً أساسياً في مسيرة المجلس، وكان مرتكزاً لاهتمام معاليه منذ الأيام الأولى لمباشرته العمل، فقد أثمرت جهود المتابعة المستمرة في اعتماد المجلس الأعلى في دورته التاسعة عشرة (أبوظبي، ديسمبر 1998) للبرنامج الزمني لإقامة الاتحاد الجمركي، وصدور القرار في الدورة الثانية والعشرين (مسقط، ديسمبر 2001) بتطبيق الاتحاد اعتباراً من الأول من يناير عام 2003، مع تكليف لجنة التعاون المالي والاقتصادي بالانتهاء من جميع الإجراءات لقيامه في موعده المحدد، بما في ذلك الاتفاق على آلية تحصيل وتوزيع الإيرادات الجمركية، وأسلوب معالجة حماية الصناعات الوطنية في إطار الاتحاد. وقد تكامل هذا الإنجاز مع إنجاز آخر تمثل في موافقة المجلس الأعلى على النظام الموحد للجمارك، الذي بدأ العمل به اعتباراً من الأول يناير 2002.
وتعد السوق المشتركة مرحلة أساسية في التكامل الاقتصادي بين دول المجلس، حيث تضمنتها الاتفاقية الاقتصادية ونصت من خلالها على التطبيق المباشر لمبدأ المساواة الكاملة في المعاملة لجميع مواطني دول المجلس المقيمين في أي من دول المجلس نفس معاملة مواطنيها (الطبيعيين والاعتباريين) دون تفريق أو تمييز في كافة المجالات الاقتصادية، ويلحظ أن قيام السوق المشتركة خلال فترة تولي معاليه قيادة دفة العمل قد بدأ التمهيد له من خلال التركيز على استصدار اللازم من القرارات التي تتناول مختلف محاور السوق، باعتبار أن هذه المحاور تتسم بالتنوع والتعدد والشمولية لمختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والقانونية وغيرها، فعلى سبيل المثال، صدرت قرارات بشأن السماح للبنوك الوطنية بدول المجلس بفتح فروع لها في الدول الأعضاء، كما اعتمد العمل بالقواعد الموحدة لتملك وتداول الأسهم، وممارسة تجارة الجملة، والسماح للمؤسسات والوحدات الإنتاجية بفتح مكاتب للتمثيل التجاري بالدول الأعضاء، كما جرى تعديل تنظيم تملك مواطني دول مجلس التعاون للعقار في الدول الأعضاء لمختلف الأغراض السكنية والاستثمارية، واعتماد السماح لمواطني دول المجلس الطبيعيين والاعتباريين بممارسة جميع الأنشطة الاقتصادية والمهن دون تحديد. كما شملت القرارات المساواة بين مواطني دول المجلس في مجال العمل بالخدمة المدنية وما تتضمنه من مزايا، مثل الراتب الأساسي، والبدلات، والحوافز والإجازات وغيرها.
وقد أمكن بفضل هذه الخطوات إضافة إلى تحقيق قيام الاتحاد الجمركي في العام 2003 إعلان قيام السوق في العام 2007.
أما في مجال الاتحاد النقدي، والذي يعد مرحلة متقدمة من مراحل التكامل الاقتصادي، فقد صدر قرار المجلس الأعلى في الدورة الحادية والعشرين (الكويت، ديسمبر 200) باعتماد الدولار الأمريكي مثبتاً مشتركاً لعملات دول المجلس، والطلب من الدول الأعضاء وضع برنامج عمل بجدول زمني لتنسيق سياساتها المالية والنقدية والمصرفية وزيادة التعاون بين مؤسسات النقد والبنوك المركزية، بما في ذلك العمل على توحيد العملة، ووضع معايير لتقريب معدلات الأداء الاقتصادي ذات الأهمية لتحقيق الاستقرار المالي والنقدي. وفي الدورة الثانية والعشرين للمجلس الأعلى (مسقط، ديسمبر 2001) كلف المجلس لجنة التعاون المالي والاقتصادي ولجنة المحافظين استكمال بحث معايير الأداء الاقتصادي ذات العلاقة بالاستقرار المالي والنقدي اللازم تقاربها لنجاح الاتحاد النقدي والنسب المتعلقة بهذه المعايير ومكوناتها وكيفية احتسابها والوصول إليها والاتفاق على ذلك في موعد أقصاه نهاية 2005. هذا، وقد تم بالفعل اعتماد المعايير من قبل المجلس الأعلى في دورته السادسة والعشرين (أبو ظبي 2005)، حيث مهدت فيما بعد لاعتماد اتفاقية الاتحاد النقدي والتوقيع عليها وإنشاء المجلس النقدي واختيار مقره.
وتمشياً مع التطورات الحاصلة في مسيرة العمل المشترك وعلى الساحة الإقليمية والدولية، كلف المجلس الأعلى في دورته العشرين (الرياض، ديسمبر 1999) لجنة التعاون المالي والاقتصادي بمراجعة وتطوير الاتفاقية الاقتصادية الموحدة لتنسجم مع تلك التطورات، وتؤدي إلى تعزيز بيئة الاستثمار وآليات السوق وتنمية دور القطاع الخاص. هذا، وقد أنجزت الأمانة العامة بالتعاون مع اللجان المختصة في الدول الأعضاء وثيقة الاتفاقية ليتم اعتمادها من المجلس الأعلى في دورته الثانية والعشرين (مسقط، ديسمبر 2001).
وحرصاً على تأطير مسيرة العمل المشترك في مختلف سياقاتها التنموية، عكفت الأمانة العامة بمتابعة مستمرة من معاليه، وبالتعاون مع اللجان المختصة والدول الأعضاء على إنجاز عدد من الوثائق الاستراتيجية شملت: استراتيجية التنمية الشاملة بعيدة المدى لدول المجلس 2000- 2025 والاستراتيجية الموحدة للتنمية الصناعية، والإطار العام للاستراتيجية السكانية لدول مجلس التعاون، والاستراتيجية طويلة المدى لعلاقات ومفاوضات دول المجلس مع الدول والتكتلات الإقليمية والمنظمات الدولية، (وقد اعتمدت هذه الوثائق من قبل المجلس الأعلى خلال هذه الفترة).
كما حظي مجال حماية البيئة بالكثير من الاهتمام، حيث اعتمد المجلس الأعلى منذ الدورة 18 وحتى الدورة 22 مجموعة من الأنظمة التي اعتبر متطلباتها تمثل الحد الأدنى الذي ينبغي ألا تقل التشريعات الوطنية للدول الأعضاء عنه. وشملت هذه: نظام حماية الحياة الفطرية وإنمائها، نظام التعامل مع المواد المشعة، نظام إدارة النفايات، نظام نقل النفايات الخطرة عبر الحدود، والنظام الموحد لإدارة الكيميائيات الخطرة، النظام الموحد لإدارة نفايات الرعاية الصحية. إضافة إلى ذلك وجّه المجلس الأعلى الأجهزة المختصة في الدول الأعضاء بالعمل على سرعة استكمال متطلبات إنشاء مرافق استقبال مياه التوازن ومخلفات السفن.
كما صدرت خلال الفترة 96 - 2006 مجموعة من القوانين والأنظمة الاسترشادية الموحدة في المجال العدلي والقضائي، واعتمد بصفة إلزامية نظام الحجر البيطري، ونظام الحجر الزراعي، والنظام الأساسي لهيئة المحاسبة والمراجعة لدول مجلس التعاون.
ويعد تعديل نظام براءات الاختراع عام 1999م ليصبح متوائماً مع «اتفاقية جوانب حقوق الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة» (تريبس) في إطار منظمة التجارة العالمية أحد أبرز الأنظمة التي جرى العمل عليها خلال فترة معاليه، حيث فوض المجلس الأعلى المجلس الوزاري بإقرار النظام في صورته المعدلة. ويعد مكتب براءات الاختراع حالياً من أهم مؤسسات العمل المشترك في دول مجلس التعاون، حيث يقوم بمنح شهادات براءات الاختراع للطلبات التي تودع لديه وتتوفر فيها شروط المنح المنصوص عليها في النظام. وتعتبر هذه الشهادات سارية في جميع دول المجلس، ولا تحتاج إلى أي إجراءات إضافية في الدول الأعضاء.
وفي مجال المؤسسات المشتركة صدر قرار المجلس الأعلى في دورته الثانية والعشرين (مسقط، ديسمبر 2001) بإنشاء هيئة خليجية مستقلة للمواصفات والمقاييس لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وكلف لجنة التعاون التجاري بإعداد تصور حول إنشاء الهيئة الجديدة، يشمل حجمها ودورها وهيكلها التنظيمي وتبعيتها موازنتها وكيفية تمويلها، وذلك خلال عام 2002م، وتفويض لجنة التعاون المالي والاقتصادي باعتماد ذلك.
ويمثل الربط الكهربائي أحد أبرز مشروعات التكامل التي وضعت لبناتها الأساسية خلال هذه الفترة، حيث وجّه المجلس الأعلى في دورته الثامنة عشرة (الكويت، ديسمبر 1997) بقيام حكومات دول المجلس المعنية (دولة البحرين والمملكة العربية السعودية ودولة قطر ودولة الكويت) بتنفيذ المرحلة الأولى من مشروع الربط الكهربائي من خلال تملك المشروع وإدارته عن طريق هيئة مستقلة تدار على أسس تجارية. ووجه المجلس لجنة التعاون الكهربائي بمتابعة خطوات تنفيذ المشروع، بما في ذلك إعداد النظام الأساسي للهيئة والاتفاقيات العامة واتفاقيات الربط مع الأنظمة الكهربائية، وتفويض اللجنة بالتوقيع على هذه الاتفاقيات، واعتماد النظام الأساسي للهيئة.
أما في مجال التعليم فقد أثمر تكليف المجلس الأعلى في دورته التاسعة عشرة (أبوظبي، ديسمبر 1998) لوزراء التربية والتعليم والمعارف بإعداد دراسة حول تطوير مناهج التعليم في تقديم خطة مشتركة تضمنت العديد من البرامج والمشروعات التعليمية المهمة. وقد وافق المجلس الأعلى في دورته الحادية والعشرين (المنامة، ديسمبر 2000) على الخطة وخطوات وآليات تنفيذها. وتجدر الإشارة على أن الخطة تضمنت ما يزيد عن 20 برنامجاً مشتركاً في مختلف مجالات المناهج قام مكتب التربية العربي لدول الخليج بتنفيذها بالتعاون مع وزارات التربية والتعليم في الدول الأعضاء.
واستكمالاً لقرار المجلس الأعلى في دورته السابعة عشرة (الدوحة، ديسمبر 1996) المتضمن تكليف وزراء الإعلام بدراسة السبل الكفيلة بتمكين أجهزة الإعلام الخليجية من مواكبة التطورات التقنية والإعلامية، واقتراح ما يترتب على ذلك من تطوير لمضامين ميثاق الشرف الإعلامي، وضوابط العمل الخارجي، وفق مجموعة من الأسس والمبادئ الأساسية، اعتمد المجلس في دورته التاسعة عشرة (أبو ظبي، ديسمبر 1998) وثيقتي ميثاق الشرف الإعلامي وضوابط الإعلام الخارجي.
وفي نهاية هذا العرض الموجز لابد من الإشارة إلى أن هذه الفترة شهدت صدور قرار المجلس الأعلى في دورته الثامنة عشرة (الكويت، 1997) بتأسيس الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى بناء على اقتراح تقدم به المغفور له الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت إلى القمة السابعة عشرة (الدوحة، ديسمبر 1997). كما شهدت الفترة قرار المجلس الأعلى في دورته التاسعة عشرة (أبو ظبي، بعقد لقاء تشاوري للمجلس الأعلى فيما بين القمتين السابقة واللاحقة. كما شهدت صدور قرار المجلس الأعلى في دورته الثانية والعشرين (مسقط، ديسمبر 2001) بالموافقة على انضمام اليمن إلى كل من مجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون، ومكتب التربية العربي لدول الخليج، ومجلس وزراء العمل والشؤون الاجتماعية بدول مجلس التعاون، ودورة كأس الخليج العربي لكرة القدم.
وبعد، فهذه إشارات سريعة إلى بعض من جوانب الإنجاز التي تحققت - كما برزت في القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى - تحمل في مضامينها الكثير من المعاني بالنسبة للجهود المضنية التي تعين القيام بها للوصول إليها ومن ثم العمل على تنفيذها ومتابعتها، وهناك قرارات أخرى، وقرارات سابقة صادرة عن المجلس الأعلى أو عن المجلس الوزاري أو عن العديد من اللجان الوزارية والفنية، تقع ضمن مسؤوليات الأمين العام تنفيذاً ومتابعة وتقويماً. لكن الإشارة إلى المنجز في مستواه الرسمي البحت، لن تبين الأبعاد الأخرى في شخصية معاليه والتي جعلتها متفردة في مستواها الإنساني والمهني، لم يكن هذا التفرد مصطنعاً أو متكلفاً، بل كان سمة فطرية تلمسها متدفقة في تعامله وفي أحاديثه ومواقفه وتوجهاته، يأسرك بلين الجانب وعمق الحس، وسرعة الإدراك وبعد النظر ووضوح الرؤية، يسعفه في ذلك شعور إنساني صادق، وذاكرة حادة، وذكاء عال، وحيوية متقدة، وبقدر ما يجذبك - أو بالأحرى يستدرجك - بحسن إصغائه يأخذك على حين غرة بأسئلته المتعمقة وإلمامه بتفاصيل لا تحيط بها وأنت كنت المعني بها، وهو مع ما يتسم به من غاية اللطف والدماثة، إلا أنه يظل حريصاً أن يكون في منتهى الوضوح والحسم فيما يرى الصائب من القرارات. وكان من ثمرة هذه السمات أن حافظت على مستوى عال من الثبات في التعامل والاستقرار في التنبؤات. وأضفت شخصيته الفذة ومكانته المعروفة من الهيبة والتقدير على طبيعة العمل الذي كنا نقوم به وممارساته.
ومع أن الرجل إعلامي، ومؤسس للإعلام، إلا أن الإعلام لم يكن ليهمه مطلقاً إلا بقدر ما كان في صالح العمل المشترك والرسالة التي يؤمن بها. لقد كفته هذا الخبرة الممتدة والفكر الناضج والثقافة مؤونة الحاجة إلى ظهور إعلامي لإثبات النفس أو بناء المجد الذاتي.
وقد استطاع بحسه الإنساني وشعوره الاجتماعي أن ينال ثقة ومحبة العاملين معه من زملائه، ولعلي أشير هنا إلى المسعى الذي بذله معاليه وكرس الكثير من الوقت والجهد لإتمامه، وتمثل في مطلب إنساني واجتماعي لموظفي الأمانة العامة الذين ومنذ قيام مجلس التعاون وحتى مجيئه لم يكونوا مشمولين بنظام التأمين الاجتماعي.
لقد استطاع معاليه رغم التعقيدات القانونية والنظامية والكلفة المالية العالية، أن يحقق هذا المطلب وأن يدخل الفرح والشعور بالطمأنينة على مئات الموظفين في الأمانة العامة وأسرهم.
شكراً من القلب لأبي عماد على الأيام التي سعدنا فيه بالعمل معك والفرصة التي أتحتها لنتعلم منك، متمنياً وافر الصحة ومديد العمر.
مدير الإدارة التعليمية ونائب مدير عام قطاع شؤون الإنسان في الأمانة العامة حتى العام 2002