أقف طويلاً عند قراءتي للمقالات الرائعة التي يكتبها أستاذنا معالي الشيخ جميل الحجيلان في جريدة الشرق الأوسط من حين لآخر بأسلوبه الجميل البليغ، مستعيداً ذكريات رائعة ومجيدة في حياتي العملية لا بل في تاريخ الوطن. لقد أسعدتني الظروف بالعمل في وزارة الإعلام حين كان الشيخ وزيراً لتلك الوزارة الناشئة. فهو أول وزير للإعلام في المملكة ومن نوابغ الرجال الذين أخرجتهم الطبقة المثقفة في بلادنا، أسس للإعلام الحديث في المملكة ولا أكون مبالغاً إن قلت إنه لولا حنكته وثقافته وقوة إرادته وصبره لما كان عندنا إعلام حديث ولا تأسس وتطور التلفزيون، هو بلا مبالغة أستاذ للإعلاميين، ففي الستينيات الميلادية أرشدهم ودافع عنهم في سنوات هي الأصعب أثناء حرب إعلامية عربية طاحنة بين كل الأطراف... الناصرية والبعثية واليسار الماركسي، وحين كانت أعصاب كل الإعلاميين مشدودة إلى حد الانفلات بتأثير قوة ضجيج وتهييج إذاعة صوت العرب ولعله أحمد سعيد، كان أستاذنا جميل الحجيلان يعمل بهدوء وبأسلوب الرجل المحنك القوي يرد على كل الحملات في جميع الميادين الصحفية والإذاعية دون تورط في إسفاف.
في مثل روعة قوة صموده في الحروب الإعلامية وربما أكثر صموده في مواجهة المحافظين في الداخل الذين لم يتركوا وسيلة نقد ولا شجب إلا ورموه بها، وما زلت أتذكر حادثة إذاعة برنامج منوعات لفيروز وصباح لأول مرة في التلفزيون، وكنت يومها مديراً لمحطة تلفزيون جدة والمكالمات اللاهبة واللاعنة تخرق أجهزة الهاتف وارتجفت قلوبنا وكان يقوينا بكلمته البسيطة (حطوها في راسي) كان يتحرك بدعم من القيادة طبعاً ولكن بحكمة واتزان دون إزعاج للقيادة.
أنا أشهد أن الوزير والأستاذ جميل الحجيلان حمى ودافع وتشفع للعديد من الإعلاميين كتّاباً وصحفيين من وقوعهم في هفوات كادت تؤدي بهم للسجن أو للمنع وأنا واحد منهم، وعندما ترك وزارة الإعلام، عند أول خطأ كتابي فصلت من العمل، لم يكن الشيخ جميل موجوداً ليدافع عني.
لقد ترك الشيخ جميل الوزارة نتيجة تراكم الضغوط المعارضة واختير لوزارة الصحة ثم سفيراً ليبدع في كل عمل أوكل إليه، إنساناً خلوقاً حازماً، وهذا هو الأستاذ و(التيم ليدر) الناجح.
أستاذ جميل في انتظار مزيد من كتاباتك بل مذكراتك لنتعلم منها.