ست سنوات من حياتي العملية أمضيتها تحت قيادة شخصية نادرة في جوانبها الإنسانية والثقافية والإدارية والدبلوماسية.. ولا غرو في ذلك فقد أنضجته خمسون سنة من الخبرة في كل الجوانب في شخصيته وأدائه.. فهو الدبلوماسي الشاب والوزير الناضج الجريء المتزن في قراراته، والدبلوماسي الحكيم على مستوى وطنه ثم على مستوى إقليمه (مجلس التعاون لدول الخليج العربية).
غيرته على وطنه وأمته تنعكس في فهمه للأمور وتصارع المصالح والرغبات في كل مجتمع وفي ما بين الدول، حيث يتعمق في استقصائها وإدراك مخاطرها وكيفية إدارتها.
أتذكر مثالين لرقي أدائه الدبلوماسي وغيرته على أمته: الأول في إجابته على سؤال لإعلامي فرنسي عن مدى سرروره لنجاح ضربة جوية سعودية ضد طيران صدام أثناء حرب تحرير الكويت، حيث قال ما معناه: إن هذا الأمر لا يستدعي السرور بقدر ما يستدعيه لو كانت الضربة ضد دولة معادية وليست ضد شقيق عربي ارتكب حماقات متعددة ضد شعبه وأمته.
والمثال الثاني عندما نبه في عدة مقالات وعدة مناسبات إلى أن سيطرة الخوف على المسؤولين والوزراء في ظل الأنظمة الدكتاتورية تؤدي إلى إخفاء الحقائق والمشكلات التي تقع تحت مسؤولياتهم عن القيادة، وبهذا يستشري الفساد والمزيد من الممارسات الدكتاتورية التي تؤدي للمهلك كما حدث لصدام حسين وما يحدث لبعض الأنظمة العربية في عام 2011م.
في مجلس التعاون، تعلمت منه رقي الأداء والطموح للكمال في أسلوب التخاطب وإعداد التقارير والأداء الشفوي أمام اجتماعات القادة والوزراء.. فهو مثال في اختيار العبارة الرشيقة والمعاني الدقيقة الواضحة والفصاحة والبيان.
وهو مثال في المتابعة والتأكد من إحاطته بكل الموضوعات التي تعرض على الدول وفي اجتماعات القادة والوزراء، بالرغم من تعدد الموضوعات واختلاف نوعيتها وأبعادها الفنية، إلا أنه يدرسها بعمق ويناقش تفاصيلها مع كل مسؤول متخصص عنها حتى يلم بجوهرها ويستعين بمساعديه على مختلف مستوياتهم لتوضيح تفاصيلها حسب مسؤولية كل منهم.
وفي متابعته لمسيرة العمل المشترك في مجلس التعاون يواصل الاتصال والنقاش والسعي للإقناع والموافقة، ولا يركن لترك الموضوعات بدون حسم عند أدنى معارضة أو تلكؤ من أحد الأطراف.. ونتيجة لهذا الأسلوب الإداري النشط والراقي في نفس الوقت حقق المجلس في عهده تقدُّماً في العديد من مشاريع تعزيز التكامل في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتربوية والبيئية مما توضحه تقارير المجلس في تلك الفترة من توليه المسؤولية.
وحتى لا يفهم الأمر على سبيل المبالغة والدعاية، فإن ما تحقق هو تقدُّم في الخطوات، وليس الإنجاز الكامل لما يستهدفه المجلس نحو التكامل في جميع المجالات وصولاً للوحدة المنصوص عليه في النظام الأساسي للمجلس.
فتحقيق ذلك رهن بالإرادة السياسية العليا في كل دولة وبالإدارة الحكيمة الحازمة والمتابعة من قِبل أمانة المجلس واللجان الفنية والوزارية التي تتولى مسؤولية إعداد المشروعات وقرارات تبنيها في كل دولة.
ولا شك أن وجود أمين عام للمجلس في مثل قدرات معالي الأستاذ جميل الحجيلان وأسلوبه في الإدارة والمتابعة، سيُقرِّب المجلس من تحقيق المزيد من خطوات التقدم والإنجاز.
في الختام لا بد من ذكر صفة إنسانية لمعاليه وهي تقديره الإنساني للعاملين معه جميعاً، ومعرفته بقدرات كل منهم وتميزه لكل قادر حسب اختصاصه بالاستشارة والاعتماد عليه في إنجاز ما يخصه مع التأكد من تلافي الأخطاء والتقصير.
مسؤول سابق في مجلس التعاون عن الشؤون الثقافية والتربوية والاجتماعية والبيئية