إن صلتي بالمملكة العربية السعودية قديمة جداً بينما أن طفل في الجزائر - وهي مستعمرة فرنسية - حيث كانت تصل إلى الوالد من حين إلى حين مجموعة من طرف صديقه الحجازي الشيخ محمد نصيف، ثم شاءت الأقدار أن أؤدي فريضة الحج وأن أقيم في بيت الشيخ نصيف.
بعد استقلال الجزائر ترددت على المملكة كمبعوث خاص للرئيس بومدين لدى الملك فيصل بن عبد العزيز، ثم للرئيس الشاذلي بن جديد لدى الملك فهد بن عبد العزيز، لكن علاقتي بالشيخ جميل الحجيلان هي التي زادت في توثيق علاقتي بالمملكة، عرفته بباريس سفيراً لبلاده وعميداً للسلك الدبلوماسي وفي أول لقاء خاطبني باللغة الفرنسية ظناً منه - كما كان شائعاً خطأ - في المشرق العربي - أن الجزائريين لا يتقنون لغة القرآن الكريم فأجبته بالعربية فقال: ليس من الغريب أن الجزائريين من أبناء جيلي لا يحسنون العربية؛ لأن الاستعمار حرمهم من تعلم لغتهم ولكن الغريب أن تتقن العربية فاشرح لي القصة.
عرفت جميل الحجيلان فاكتشفت مجموعة فضائل: رجل دمث السيرة قد قوي في نفسه سلطان الأخلاق في عالم ضعفت فيه دولة العدل والعقل وساد فيه المال والنفاق، مثقف يتذوق الأدب الرفيع من خلال أمهات الثقافة العربية الإسلامية، كما ينهل من الثقافة الغربية، وبجانب ذلك يكتب القصة القصيرة ليبوح بما في نفسه من آمال وآلام، دبلوماسي لبق يواجه أصعب المواقف - كما حدثني عنه زملاؤه بهدوء المخلصين وسكون الحكماء.، صديق وفي لا ينسى أصدقاءه خاصة عندما يبتعدون عن الأضواء ويفتقدون إلى الرفقاء.
بالإضافة إلى هذه الخصال فإن جميل الحجيلان يحب الجزائر حباً عميقاً يشمل تاريخها وثورتها ورجالاتها، فهو مثلاً شديد الإعجاب بآثار عبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيمي وقد أطلعني على مقالين نشرهما سنة 1961م وهو مدير الإذاعة والصحافة والنشر في المملكة يؤيد فيهما بقوة ثورتنا واستقلالنا يقول في أحدهما: (وفجأة أفاقت فرنسا على آمالها وهي تهتز وتتداعى وروعتها ثورة الشعب الجزائري الذي ظنت أنه مات وماتت في نفسه كل نوازع الحق والثأر والكرامة... وكلما أمعنت فرنسا في تنكيلها الوحشي ازداد الشعب البطل صلابة في موقفه وإيماناً بعدالة قضيته وقدم المزيد من التضحيات بإصرار أذهل الدنيا، ومرت سبع سنوات والثورة الجزائرية شعلة تزخر بالنور والحياة، ودوخت فرنسا وأسقطت حكوماتها المتعاقبة...)
وفي شهر مايو سنة 1996م نظم مركز الملك فيصل للدراسات الإسلامية بالرياض ندوة عن الملك فيصل - يرحمه الله - ودعيت للمشاركة فيها، فوجدت نفسي معلقا بمحاضرة على محاضرة صديقي الشيخ جميل الحجيلان عن الدور القيادي للملك فيصل في العالم العربي.
وكان آخر لقاء بيننا في بيته العامر يوم 19 ديسمبر سنة 2003م حيث جرى حديث ساده التشاؤم عن هموم الأمة الإسلامية تركز على القضية الفلسطينية التي عجز جيلنا عن إنصاف أهلها وتحرير القدس وعلى العداء للإسلام المستحكم في الدول الغربية والذي يشكل جوهر صراع الحضارات.
وفي الختام أعتز وأفاخر أن يكون لي صديق من هذا الطراز الفاخر، فتحية له من الجزائر من أخ يدعو العزيز القادر أن يمنحه الصحة وراحة البال في العاجلة وجنانه في الآجلة.
وزير خارجية الجزائر السابق