فور وصولي إلى باريس عام 1993 لتولي مهامي كسفير لمصر لدى فرنسا، طلبت زيارة الشيخ جميل الحجيلان، سفير المملكة العربية السعودية في العاصمة الفرنسية ليس باعتباره سفيراً لدولة عربية شقيقة وصديقة فحسب، ولا باعتباره عميداً للسلك الدبلوماسي العربي ولكن لعلمي مدى خبرة وحكمة هذا الرجل الذي مارس العمل الدبلوماسي باقتدار وكفاءة وإخلاص، ولمعرفته العميقة بالمجتمع الفرنسي وبآليات النظام السياسي في فرنسا. وقد تحدد موعداً لي لزيارة السفير جميل الحجيلان خلال ساعات معدودات وتستغرق عادة زيارات المجاملة التي يقوم بها الدبلوماسي عند تسلمه عمله في إحدى العواصم مالا يزيد عن ربع الساعة، ولكن زيارتي للشيخ جميل في هذا اليوم استغرقت على ما أذكر ما يزيد عن الساعتين. وقد وجدت منه ترحيباً أخوياً حاراً ونية خالصة في تقديم النصح وفي نقل خلاصة تجاربه في عاصمة النور لي. فلم يبخل عليَّ سفير المملكة بالمعلومة أو بالرأي أو بالنصيحة. فكانت جلسة حاسمة شعرت بعدها أنني تملكت مفاتيح عديدة للدخول إلى أروقة السلطة الفرنسية وإلى خبايا الأمور السياسية والاقتصادية.
هكذا أعطاني الشيخ جميل دفعة قوية للنجاح في عملي وخدمة بلدي وأمتي في فرنسا، ولم يكتف بذلك بل فتح لي ولزوجتي أبواب داره العامرة، حيث تعرفنا على أهم الشخصيات الفرنسية المؤثرة في القرار السياسي والاقتصادي. وكان الشيخ جميل تبوأ عدة مناصب وزارية قبل التحاقه بالسلك الدبلوماسي وعمل كسفير للمملكة في عدة عواصم عربية وأوروبية ولكن المناصب والنجاح لم يؤثران على تواضعه وسعة صدره. وكم مناسبة سياسية وثقافية واقتصادية حضرتها بدعوة من الشيخ جميل الحجيلان باعتباره عميد السلك الدبلوماسي العربي، حيث كان يلقي كلمته بلغته الفرنسية الراقية باسم سفراء العرب فيُعبر خير تعبير عن مواقفنا ويدافع بقوة عن مصالح أمتنا.
ومع مرور السنوات وتوطد علاقاتي بمسؤولين فرنسيين لمست مدى التقدير والاحترام الذي يكنه الجميع لشخص جميل ومواقفه الصريحة القوية، وتحليله السياسي الواضح وخبراته الدبلوماسية العريقة. فلما جاء موعد مغادرته باريس بعد فترة عمل دامت ما يقرب من 20 عاماً بصفة استثنائية تسلمت من الشيخ جميل عمادة السلك الدبلوماسي العربي ولمست عن قرب مدى الأعباء والمسؤولية التي تحملها على مدى سنوات طويلة دون أن يكل وسعيت على أن أسير على نهجه.
إن الشيخ جميل من الشخصيات المؤثرة والتي تعطي دون حساب وتُقدم نموذجاً رائعاً لما يجب أن يكون عليه الدبلوماسي العربي العصري المثقف المخلص لبلده الوفي لأمته. أطال الله في عمرك يا شيخ جميل.
سفير مصر السابق في باريس