إنه من دواعي البهجة والسرور أن يكتب الإنسان بكل اعتزاز وتقدير واحترام لشخصية مثل شخصية معالي الشيخ جميل الحجيلان أبو عماد الرجل المتواضع الأديب الأريب، فهو هامة عالية في عالم السياسة والدبلوماسية والإدارة، فهو رجل الأضواء -وتجزم بهدوئه وتواضعه- فهو لا يعلن عن نفسه بل تلمس بأنه يعشق العمل بجدية وكفاءة وحيوية ولذا زادت محبته لدى الناس والعاملين معه ومن يتابع مسيرته الحافلة بالإنجازات سيصعب عليه الإلمام بمنجزاته، فهو بحق شخصية قيادية مبدعة تعطي من نبع لا ينضب من المعرفة والخبرة في خدمة الدين والمليك والوطن -ومن أين أبدأ في الكتابة في رحلة معرفتي وصداقتي به فهي تعود إلى ما يقارب الأربعين عاماً- وقد بدأت عندما أثنى كل من معالي الشيخ محمد إبراهيم مسعود وكيل وزارة الخارجية أبو غسان (في منزله بطريق مكة) ومعالي الأستاذ عبدالوهاب عبدالواسع وزير الحج والأوقاف -طيب الله ثراهما- أثنيا على معاليه عندما عين أول سفير للمملكة لدى ألمانيا الاتحادية بعد عودة العلاقات عام 1974م، فهو المعروف برونق الكلمة وحسن التصرف وطيب المعشر مع الآخرين ولم أسمع عنه إلا كل خير ومن أحبه الله حبب فيه خلقه، ثم انتقل في عام 1976م سفيراً لدى فرنسا وعندما قرر صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية عقد أول لقاء مع سفراء خادم الحرمين الشريفين في أوروبا كان هذا اللقاء في سفارة المملكة في باريس، وكان لي الشرف في الحضور والاطلاع عن كثب على الجهود التي قام بها معاليه لترتيب هذا الاجتماع الهام والناجح بكل المعايير، حيث شرح سموه سياسة القيادة العليا في تطوير العلاقات وتوثيقها مع الدول الصديقة على المستويين الرسمي والإعلامي وسط إعجاب كبير من الحضور على هذا الطرح الشيق لتمتع سموه بلغة لها سحرها الخاص.
وفي حفل العشاء الذي أقامه على شرف سموه الكريم والسادة السفراء كان معاليه مبتهجاً، لأنه يشعر أن سموه سوف يعمل على تذليل كافة الصعوبات أمام البعثات السعودية في الخارج للتفرغ إلى المزيد من العطاء ونقل الصورة الصادقة عن التقدم والرقي والرخاء الذي تشهده المملكة العربية السعودية بقيادتها الرشيدة والتواصل مع المؤسسات الإعلامية والسياسية والرياضية، ومن هنا كان اهتمام معاليه بترتيب أفضل البرامج للمنتخب السعودي لكرة القدم بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالرحمن بن سعود - طيب الله ثراه - عندما زار المنتخب ألمانيا ووصل في أول محطاته على ميونخ، هذا وكان الاهتمام بالمنتخب على المستوى الرياضي والمستوى الرسمي من قبل الحكومة الألمانية نتيجة للاتصالات التي أجراها معاليه في هذا الشأن.
ومن الأمور التي يعتز بها المرء في علاقته معه تمتعه بالبساطة والمرونة وعدم التشبث بالرأي بل يحب الشورى ويستمع إلى الطرف الآخر بكل رحابة صدر، - من ذلك مثلا - أنه عندما قررت مقام وزارة الخارجية شراء دار سكن للسفير كان أمام معاليه الاختيار (من أفخر الموجود) إما دار على جبل أو دار على ضفة نهر الراين، وسأل عن أي المنزلين يختار - وهو الشخص القادر على تقرير ما يشاء خاصة وانه كان يميل إلى الدار التي على الجبل - لكن الرأي الآخر كان يثني على الدار التي على ضفة النهر ولسماحته تقبل الرأي الآخر.
ويلاحظ المرء دائماً أن نشاطه لا يختصر على الحقلين السياسي والدبلوماسي بل يبدي اهتماماً خاصاً بالناحية الإعلامية والصحية فأنشأ لكل واحدة إدارة واهتم اهتماماً خاصاً بالمرضى القادمين للعلاج في ألمانيا، ومن الأمور التي تستحق الذكر اهتمامه بالعلماء والمبدعين في المجالات الصناعية وكانت قرة عينه أن يرى المملكة تتبوأ الريادة في الصناعات الثقيلة والتحويلية والصناعات الدفاعية للذود عن حياض الوطن. وكانت نظرته ثاقبة إذ ظهرت بعد فترة الهندسة الوراثية بمخاطرها والهندسة المناخية والأسلحة الزلزالية والفسفورية. وكانت سعادته لا توصف عندما استقبل صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض لإطلالته الكريمة وافتتاحه معرض المملكة بين الأمس واليوم، وتستمر هذه السعادة والغبطة والسرور باستقبال صاحب السمو الملكي النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز في زيارة رسمية للتواصل مع الدول الصديقة للعمل المشترك بما يحقق الأمن والأمان للجميع بعد زيارة سموه لجمهورية النمسا حيث كنت في شرف استقبال سموه الكريم.
فهذه الأنشطة السياسية والدبلوماسية تعتبر من نتاج اجتماع باريس الذي رعاه معاليه بجدارة وحيوية وكفاءة وباركه صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية بتوجيهاته السديدة، وقد سجل معاليه حضوراً قوياً لدى وسائل الإعلام الأوروبية أثناء حرب الخليج الثانية. ومما يغبط عليه تمتعه بالوفاء الصادق مع أصدقائه وتلمس أحوالهم وأوضاعهم في زمن شح فيه الوفاء وأصبح من العملة النادرة
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
هذه المعلومات كانت حبيسة في الذهن مثل غيرها من المعلومات حصيلة أربعة عقود من العمل الدؤوب في قارات مختلفة - ففتحت لها بعض النوافذ لعلها توفيه حقه - مع الدعاء لمعاليه بدوام الصحة والسعادة وطول البقاء.
سفير المملكة السابق لدى النمسا وباكستان