لقد تابعت ما سطره بعض الكتاب والسياسيين والإعلاميين عن شخصية معالي الشيخ جميل الحجيلان حيث أفاضوا في تعداد ما تتميز به هذه الشخصية وما قدمته خلال مشوارها في الوزارات التي تقلدها وعن الدول التي شغل فيها مناصب ممثلا لبلاده وأخيراً كأمين عام لمجلس التعاون الخليجي.
واليوم تقوم جريدة الجزيرة مشكورة بإصدار ملحق خاص مسلطة الضوء من خلال تسجيل بعض ذكريات زملائه الذين عملوا معه في هذه الحقبة التاريخية من حياته المليئة بالإنجازات.
ويعذرني القارئ الكريم فأنا أمام شخصية لها من الجوانب العديدة التي لا يستطيع القلم أن يسجل إلا اليسير منها.
لقد عملت في بداية مشواري الوظيفي مذيعاً - بالإذاعة ثم تدرجت في السلم الوظيفي حتى اختارني معاليه كأول سعودي لأعمل مع شركة «NBS» الأمريكية والتي كانت تقوم بأعمال التشغيل والصيانة لمحطتي التلفزيون في كل من جدة والرياض ومن ثم في تلفزيون الدمام وقد شغلت حينها منصب مديراً لبرامج التلفزيون حيث كان يتولى السيد بول واطسون إدارة المحطة مشرفاً على الصيانة والتشغيل، لقد كان معاليه متابعاً شخصياً لكافة الأعمال التي كنا نقوم بها لذلك تجدني مركزاً الحديث عن شخصيته الفنية حيث كنت الأداة التنفيذية لما يوجه به معاليه من الناحية البرامجية.
شخصية الوزير جميل الحجيلان شخصيته مليئة بالإحساس الفني بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ حيث كان يقوم شخصياً بمراقبة الأفلام الأجنبية التي سيتم عرضها على التلفزيون نظراً لأن التلفزيون في بداية نشأته لا يوجد به مراقبون يستطيعون مراقبة الأفلام الأجنبية ومعرفة ما يجب حذفه من المشاهد سيما وأن الشركات الأجنبية التي يتعاقد معها التلفزيون تشترط عدم تعرض الفيلم للتلف نتيجة لحذف المشاهد التي لا تتلاءم مع مجتمعنا - على أن يتم إعادة كافة اللقطات المحذوفة إلى مكانها في الفيلم قبل إعادته للشركة.
وأيضاً إذا ولدت فكرة لأي برنامج جديد كان يطلب معاليه أن نقدم له عشرة أسماء مقترحة - وبعض المقطوعات الموسيقية التي سوف تستخدم في المقدمة والنهاية حيث يوجه معاليه باختيار الأنسب. فمثلاً اختار معاليه اسم برنامج حديث الأصدقاء والموسيقى المصاحبة له وقد سعدت باختيار معاليه لي كي أقوم بتقديمه وقد قدمت عشرات الحلقات منه إلى أن تم ابتعاثي إلى الولايات المتحدة الأمريكية لمتابعة دراساتي العليا في مجال التلفزيون.
كما كان معاليه يحرص على اختيار الضيوف والاطلاع أيضاً على الأسئلة التي كنتُ أعدها للضيف.
كان التلفزيون يقدم في سهرة الخميس أجمل البرامج والأفلام ولعل من تابع تلك الفترة من حياة التلفزيون يتذكر العديد من البرامج المنوعة والمسابقات وكيف أن التلفزيون تبنى النهضة الفنية وسخر كل إمكانياته لتشجيعها فنشأت طبقة من مقدمي البرامج والممثلين والمطربين وغيرهم، لقد كان معاليه جريئاً في اتخاذ قراراته وكثيراً ما قدم التلفزيون في عهده العديد من البرامج المنوعة لمطربين ومطربات أثارت في حينها الكثير من الاعتراضات ولكن معاليه كان يدرك ببعد نظره أن القافلة يجب أن تسير ولابد من مواجهة الصعاب والتغلب عليها ولعل القارئ الكريم يتذكر أيضاً النهضة الإذاعية التي تمت في عهده وكيف أن المرأة أصبحت رائدة في تقديم البرامج الإذاعية وإعدادها ومنها برنامج البيت السعيد الذي كانت تقدمه شقيقته السيدة سلوى الحجيلان وما يطلبه المستمعون الذي كانت تقدمه السيدة شيرين شحاته يرحمها الله وتبع ذلك الكثير من مشاركات السيدات السعوديات واللاتي اسهمن في تقديم العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية.
الوزير الحجيلان جامعة نهلت من معينها فن الإدارة واتخاذ القرارات المناسبة في أوقاتها وقد طبقت الكثير مما تعلمته منه أثناء عملي كوكيل للوزارة لشؤون التلفزيون وكنت ولا زلت أشيد بما قدمته هذه الشخصية من إنجازات سوف يظل التاريخ يذكرها له ولا شك أن الخطوة التي أقدم عليها معاليه في نشر بعض مذكراته بالصحافة المقروءة والإنترنت التي تضمت تسجيل جانب من تجاربه المليئة بالإنجازات - سواء في حقل الإعلام - أو الصحة أو في السفارات التي برز في تمثيل بلاده فيها وفي مجلس التعاون الخليجي ومن أمثلة بعض القرارات - الجريئة التي اتخذها معاليه أن قدم له معالي وزير الدولة لشؤون الإعلام في تونس مجموعة من أغاني السيدة أم كلثوم والتي شدت بها بمناسبة احتفال تونس بعيد الاستقلال، وقد كان ذلك أثناء زيارة معاليه لتونس وقد أُنتدبت للسفر إلى تونس مصطحباً معي بعض أشرطة الفيديو لنقل الأغاني عليها نظراً لأن التلفزيون السعودي في ذلك الوقت يستخدم نظام سيكام الفرنسي للبث في حين يستخدم التلفزيون التونسي نظام بال - وقد جرى بعد ذلك تعديل هذا النظام بحيث أصبح البث التلفزيوني ملائماً للنظامين.
وفعلاً تم ذلك وأحضرت معي مجموعة الأغاني التي شدت بها سيدة الغناء، وقد فوجئت بقرار معاليه بعرض الأغنية الأولى في سهرة الخميس. وقد كان لهذا القرار الشجاع في ذلك الوقت ردود أفعال اتصف بعضها بالإيجابية والبعض الآخر بالسلبية المفرطة. وبعد أن هدأت تلك العاصفة ووجد المعارضون أنفسهم أمام إرادة صلبة لا تعترف بالتراجع والانهزام توالى عرض بقية الأغاني - ومن غريب الصدف أن السيدة أم كلثوم حينما علمت بعرض أغانيها طالبت الوزارة بقيمة تلك الأغاني محتجة أن التلفزيون التونسي لا يملك حق إهدائها وفعلاً قامت الوزارة بدفع المبلغ الذي طالبت به السيدة أم كلثوم يرحمها الله.
أنا على يقين بأن نشر هذه المذكرات سوف تستفيد منها الأجيال الحالية والصاعدة أيضاً.