الحديث عن معالي الشيخ جميل الحجيلان قد لا يكون عسيراً، ولكنه بالتأكيد غير يسير، فتاريخ معاليه طويل وحافل بالمعطيات الوضاءة والإنجازات الكبيرة بمختلف المناصب التي تولاها.
أول ما التقيت بمعالي الشيخ جميل بالكويت يوم كان سفيراً للمملكة بها وكنت ضمن وفد الصحفيين الذين شهدوا الاحتفال ببدء إنتاج البترولي من المنطقة المحايدة بالخفجي بواسطة الشركة اليابانية.
ويشهد الله أنه منذ اللقاء بمعاليه وله في نفسي مكانة سامية وذلك لما أولاه للفريق الصحفي المرافق لوزير البترول من رعاية وكرم في استقباله لهم وحفاوته بهم.
ثم جاءت به الثقة الملكية الكريمة وزيراً للإعلام في الفترة التي شغلت فيها سكرتيرية تحرير جريدة البلاد إبان تولي الأستاذ حسن عبدالحي قزاز رئاسة تحريرها، والأستاذ عبدالغني قستي مديراً للتحرير.
ومعروف أن الأستاذ حسن قزاز كان أول من يباشر العمل صباحاً بمكتبه في عمارة باخشب، وفي الوقت نفسه لا يبقى في المساء بمكتبه أو عند مروره بمطابع الأصفهاني التي تطبع فيها الجريدة لأكثر من الساعة التاسعة حيث يتوجه للمنزل ومن خلال الهاتف يمكن إطلاعه على ما قد يستجد أو تلقي ما يصدر عنه من توجيهات.
وقد أتاح لي هذا الوضع أن أتلقى في العديد من المناسبات توجيهات معالي الشيخ جميل الحجيلان مباشرة، وحدث أكثر من مرة أن استدعاني لمكتبه بواسطة الأخ علي العبدلي مدير مكتبه يومذاك لتلقي بعض التوجيهات، أو ما قد يكون له من ملاحظات على ما نشرته الجريدة في اليوم السابق.
وفي شهر شعبان من ذلك العام الذي هو 1383هـ وبينما نحن والشيخ إبراهيم الجفالي بمعية صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالعزيز أمير منطقة مكة المكرمة آنذاك في ضيافة مدير الأمن العام حينئذ اللواء أحمد يغمور، نقل إلينا المذياع ضمن نشرة الأخبار المسائية المرسوم الملكي الصادر رقم 62 وتاريخ 24-8-1383هـ المصادق على قرار مجلس الوزراء الصادر برقم 600 وتاريخ 20-8-1383هـ بتحويل الصحف إلى مؤسسات خلال شهرين على أن يتولى أصحاب الصحف تقديم بيانات بأسماء من يريدون الاشتراك معهم من المواطنين الأكفاء لهذه المهمة وكان أن علق الشيخ الجفالي رحمه الله بقوله: (لك الحمد يا رب الذي وفقتنا لما رضيت به حكومتنا).
وفي محاولة لاستيفاء الوضع على ما كان عليه، فقد سافر من جدة إلى الرياض كل من: الشيخ أحمد السباعي صاحب ورئيس تحرير مجلة قريش، والأستاذ أحمد عبدالغفور عطار صاحب ورئيس تحرير جريدة عكاظ، والأستاذ صالح محمد جمال صاحب ورئيس تحرير جريدة الندوة، والأستاذ هشام ومحمد علي حافظ عن جريدة المدينة وانتدبني الأستاذ حسن عبدالحي قزاز نيابة عنه لمشاركة المجموعة في مهمتها.
وقد سهرت مجموعة الأساتذة بفندق اليمامة من بعد العشاء وحتى الساعة الثانية بعد منتصف الليل في محاولة لكتابة مذكرة قصيرة للملك فيصل رحمه الله، يطالبون فيها بالإبقاء على الوضع السابق للصحف ولكنهم رغم امتداد الساعات لم يتوصلوا إلى صيغة توافق رأي المجموعة، فكان أن قال الشيخ السباعي رحمه الله، يكفي هذا، إن اختلافنا على مذكرة صغيرة دليل على عدم إمكانية نجاح فكة المؤسسات، وليكن هذا شاهدنا عند مراجعتنا لمعالي الوزير.
وبالفعل قامت المجموعة صبيحة اليوم التالي بزيارة لمعالي وزير الإعلام الشيخ جميل الحجيلان الذي رحب بالجميع، وأبدى تفهماً لما تم شرحه منهم، كما عبر عن تقديره لما شرحته نيابة عن معالي الشيخ محمد سرور الصبان والأستاذ حسن قزاز عن حالة البلاد وكونها أصلاً مؤسسة لاشتراك الشركة العربية للنشر لصاحبها معالي الشيخ محمد سرور الصبان مع الأستاذ حسن قزاز في ملكية الصحية، ولأن الصحيفة قد أعلنت أنها بصدد تشكيل مجلس إدارة يتكون من الأساتذة: عبدالوهاب آشي ومحمد حسين زيدان ومحمد عمر توفيق وحسين سرحان والسيد ياسين طه.
وبعد لقاء ودي، تواعدت المجموعة مع معالي الشيخ جميل الحجيلان على الالتقاء بمعاليه مساءً لتداول الآراء بصورة مفصلة ووضع صيغة لما يتم الاتفاق عليه.
وفي المساء قررت المجموعة أن تتشرف بالسلام على جلالة الملك فيصل رحمه الله، في المجلس العام وشرح وجهة نظرها، وبالفعل تقدم الأستاذان أحمد السباعي وأحمد عطار إلى الملك فيصل - رحمهم الله جميعاً - وشرحا موقف البارحة عن عجز المجموعة عن كتابة مذكرة صغيرة، بما يدل على عدم إمكانية نجاح المؤسسات الصحفية، فلم يزد الملك فيصل على أن قال: (لقد قضت المصلحة بما صدر به المرسوم الملكي وعليكم أن تحسنوا اختيار الأعضاء)، ثم هب واقفا في اتجاه المكتب، فغادرت المجموعة القصر ميممة نحو مكتب وزير الإعلام الذي يبدو أنه قد أخذ علماً بالموقف الصارم للملك فيصل، فكان أن بادر الجميع بقوله: إن قرار المؤسسات لا بد أن ينفذ، وعليكم اختيار من ترونه صالحاً لمشاركتكم المسؤولية وإلا فإن الوزارة ستشكل المؤسسات بما يصلح وضع الجرائد).
وهنا قال الأستاذ هشام حافظ) هل معنى هذا أن نكون ضمن مجموعة في عمارة بنيانها بجهدنا وعرفنا، ولا نأخذ غير (الدقيسي) فقط.
فقال معالي الشيخ جميل الحجيلان، لا داعي لتضييع الوقت فأمامكم شهران لترشيح الأعضاء، وانتهى الاجتماع وعاد الجميع في محاولة لتدبر الموقف، وكان أن نفذ القرار بتاريخ 1-11-1383هـ ومن ذلك التاريخ صدرت جميع الصحف عن المؤسسات الصحفية التي تم تشكيلها وتوقف الصحف التي لم يتقدم أصحابها بتشكيل مؤسسة في ذلك الحين ولكنها عاودت الصدور بعد تشكيل المؤسسة في وقت لاحق من ذلك العام، وقد استثنيت من نظام المؤسسات بعض الدوريات كمجلة (المنهل) ومجلة (الحج) ومجلة (التجارة).
وبقيام المؤسسات الصحفية التي كان من بينها مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر، أصبح اتصالي بمعالي الشيخ جميل الحجيلان أكثر نظراً لأن الأستاذ محمود عارف الذي تولى رئاسة التحرير لمدة عام كان هو الآخر لا يبقى في الجريدة لأكثر من الثامنة مساء مما يجعلني كمدير للتحرير في موقع المسؤولية التي تفرض التواصل مع المسؤولين عن الصحافة في وزارة الإعلام.
وبعد عام خلفت الأستاذ محمود عارف في رئاسة التحرير إثر انتخاب الجمعية العمومية لي لتولي رئاسة التحرير التي قربتني أكثر من معاليه.
ويشهد الله أنه كان كبيرا في كل قراراته وتعامله وشاهدي على ذلك أني كتبت مقالي الأسبوعي بعنوان: (نحن في عصر الترازنستور يا معالي الوزير) ضمنته الكثير من الانتقادات الحادة لوزارة الإعلام ومع ذلك تقبل معالي الشيخ جميل الحجيلان ما كتبت بروح عالية ودعاني لمكتبه وعرض علي بحضور الأخ بدر كريم ما لدى الوزارة من رسائل تصل إليها من جميع أنحاء العالم مشيدة بما تقدمه الإذاعة مما ينفى ما كتبت.. ثم ختم معاليه حديثه بقوله:
يا أخ عبدالله عندما أراد صحفي أمريكي أن يكتب عن الوجود الأمريكي في كوريا ذهب وسافر ثم كتب: لماذا نحن في كوريا؟
وبالتالي أتمنى عليكم أن تتقصوا الحقائق قبل أن تنشروا ما تكتبون.
وفي اليوم التالي وافاني بمقال كتبه معاليه يوضح فيه الكثير من الحقائق التي عليها وضع الإذاعة وقد تم نشره بعد أسبوع في مكان مقالي الأسبوعي.
وللتاريخ فإن الشيخ جميل الحجيلان بإجماع كافة الإعلاميين بمن فيهم من تولوا الوزارة من بعده، هو الأب الحقيقي للإعلامي بما تحقق في عهده من منجزات وما قدمه الإذاعة والتلفاز ووكالة الأنباء السعودية من إنتاج.
وفي وزارة الصحة التي تولاها لبعض حين استطاع أن يقدم الكثير لصالح المستشفيات والعلاج الذي يقدم للمرضى ولفريق الأطباء الذين يحمدون له ما حققه لهم.
وكما أن معالي الشيخ جميل الحجيلان رائد عملاق في الإعلام فقد كان رائدا وعلما خلال توليه أمانة مجلس التعاون الخليجي، والذي ننتظره من معاليه هو إصدار مذكراته التي يعكف على كتابتها فإن الجميع يتطلع لقراءة سطور من تاريخ المملكة من خلال المذكرات.