عملت مع ثلاثة من وزراء الإعلام، وزيرين عبقريين، ووزير مجتهد..
عملت مع الشيخ (جميل الحجيلان) معظم وجوده في الوزارة، فقد عملت معه منذ عام ألف وثلاث مائة وأربعة وثمانين، أي بعد تسلّمه الوزارة بحوالي سنة، وإلى أن تركها وتوجّه إلى وزارة الصحة....
وجاء بعده إلى وزارة الإعلام الشيخ (إبراهيم العنقري) عليه رحمات الله، فعملت معه طيلة وجوده في هذه الوزارة إلى أن انتقل إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في عام ألف وثلاث مائة وخمسة وتسعين..
وكان من حل محله في وزارة الإعلام هو الدكتور (محمد عبده يماني) الذي عملت معه السنوات الخمس الأولى من قيامه بأعباء هذه الوزارة، واستقلت بعد ذلك من وزارة الإعلام، وسافرت إلى (لندن) لأرأس تحرير مجلة (المسلمون) - طيَّب الله ثراها وعطَّر ذكراها - الأسبوعية، التي صدرت عن (الشركة السعودية للأبحاث والتسويق)، هذه الشركة التي تصدر الآن جريدة (الشرق الأوسط) ومجلة (المجلة) وأترابهما....
الوزير العبقري الأول، هو الشيخ (جميل الحجيلان) وعبقريته عبقرية إعلامية فذة... والوزير العبقري الثاني هو الشيخ (إبراهيم العنقري) عليه رحمات الله وعبقريته عبقرية إدارية متميزة... والوزير المجتهد، هو الدكتور (محمد عبده يماني). ولكل مجتهد نصيب كما يقولون، والمجتهد مأجور في الحالتين؛ إن أخطأ فله أجر واحد، وإن أصاب فله أجران كاملان غير منقوصين.
والعبقرية قليلة في بني البشر، وهي - على ما أظن - نادرة في مجال الإعلام.... هي نادرة ليس في محيطنا المحلي فحسب، بل هي نادرة في عالمنا العربي، بل وفي أرجاء عالمنا كله..... ولأدلل على كلامي هذا ودون الخوض في متاهات هذا المحيط أقول:
لقد برز في (سورية) - مسقط رأسي - وعلى مدى أكثر من ستين عاماً، وهي المدة التي أعي فيها المواقف والأحداث بصورة جيدة، برز فيها ثلاثة من العباقرة في ميدان الإعلام، أولهم الأستاذ (أحمد عسة) عليه رحمة الله، الشخص الذي كان مسؤولاً عن الإعلام زمن حكم (أديب الشيشكلي) عليه رحمة الله، والذي تمكن من أن يرتفع بالإذاعة السورية في تلك الأيام، فيجعلها تنافس بل تضارع الإذاعات العربية المسموعة في (سورية) آنذاك كإذاعة (القاهرة) وإذاعة (بغداد) وإذاعة (عمان) و(محطة الشرق الأدنى للإذاعة العربية)!...
وثاني هؤلاء العباقرة هو الدكتور (صباح القباني) أمده الله بأثواب الصحة والعافية الذي كان أول مدير للتلفزيون أيام الوحدة بين (سورية) و(مصر).... واستطاع في الفترة القصيرة التي كان فيها على رأس هذا الجهاز أن يحول اهتمامات الناس، كل الناس إلى ما يقدمه من برامج وأخبار وتمثيليات!
والعبقري الثالث هو المخرج العالمي السينمائي الأستاذ (مصطفى العقاد) عليه رحمات الله الذي كان وراء الفيلم السينمائي العظيم (الرسالة)! وما أدراك ما أهمية هذا الفيلم؟ وما أدراك ما قيمته؟ وما أدراك ما آثاره ؟
وفي (الأردن) برز اثنان من عباقرة الإعلام؛ أولهما الأستاذ (صلاح أبو زيد) مؤسس الإذاعة الأردنية وبانيها ومطوّرها حتى أصبحت في أواخر الخمسينات وبدايات الستينات الميلادية وفي عهد (الملك حسين) عليه رحمة الله، الإذاعة الأولى في (الأردن) وما حوله من الدول العربية، وإليه يعود الفضل في انضمام عدد من المذيعين العمالقة من الرجال والنساء إلى الإذاعة الأردنية أمثال (محمود الشاهد) و(عمر الخطيب) عليه رحمة الله و(إبراهيم الذهبي) عليه رحمة الله و(حيدر محمود) و(سليمان المشيني) و(عائشة التيجاني) و(هند التونسي) و(كوثر النشاشيبي)، وثانيهما هو الدكتور (عمر الخطيب) عليه رحمة الله الذي مر ذكره قبل قليل، والذي تفوق كمذيع في الإذاعة الأردنية ومقدم للبرامج، ثم تفوق كإداري ومذيع إذاعي وتلفزيوني في دولة (الإمارات العربية المتحدة) وهنا في المملكة.... وقد تابع دراساته العليا فتحصل على (الماجستير) و(الدكتواه).. ودرّس (الإعلام) في (الجامعة الأردنية) ثم في (جامعة الملك سعود)... وكانت أواخر عطاءاته وإبداعاته، جهوده المتميزة، وإبداعاته الفريدة، وألمعيته الفذة التي ظهرت في برنامجه التلفزيوني (بنك المعلومات)... وظهر في (مصر) عدد من العباقرة في مجال الإعلام الصحفي بصورة خاصة منهم الأستاذ (محمد التابعي) والأستاذ (إحسان عبدالقدوس) والأستاذ (مصطفى أمين) والأستاذ (علي أمين) عليهم رحمات الله، والأستاذ (محمد حسنين هيكل).... لكن الذي برز كوزير عبقري في مجال الإعلام، هو الدكتور (محمد عبدالقادر حاتم) وزير الإعلام المركزي إبّان (الوحدة السورية المصرية) فقد ازدهرت (الإذاعة) في عهده وأوصلت صوتها إلى كل أرجاء العالم العربي وإلى مساحات أخرى واسعة خارجية.. وشقّ (التلفزيون) طريقه بقوة وثبات في أوساط الجماهير المختلفة، وأصبح ببرامجه وأخباره وتمثيلياته، مالئ الدنيا وشاغل الناس.. ولا أظن أن وزيراً للإعلام كان قبله أو جاء بعده استطاع أن يسد الفراغ الذي تركه في هذه الوزارة بعد رحيله عنها!
ومن المناسب أن لا أنسى المثال الكويتي في هذا الاستعراض.. ففي هذا البلد الشقيق الصغير بمساحته وسكانه، يوجد واحد من عباقرة الإعلام هو الأستاذ (محمد السنعوسي) الذي كان له دوره المميز في إنشاء (التلفزيون الكويتي) وبنائه وتطويره وتقدمه حتى شكّل رقماً صعباً بين التلفزيونات الشقيقة والمجاورة.... كذلك فإذا ذكرنا الفيلم العالمي العظيم (الرسالة)، فعلينا أن لا ننسى الأستاذ (محمد السنعوسي) كواحد من الرجال القلائل الذين كانوا وراء إنتاجه، وظهوره رغم الصعوبات الكثيرة التي قامت في وجهه إلى عالم الوجود.
يتضح من الأمثلة التي سقتها أن العبقري في مجال الإعلام هو - كما أظن - الشخص الذي اكتشف أو أوجد وسيلة من وسائل الإعلام وسعى وجاهد لأن تظهر بالمظهر الذي يفيد الناس ويعود عليهم بالخير أو هو الشخص الذي فعَّل وسيلة إعلامية قائمة أو نشاطاً إعلامياً موجوداً وطوّره وجدّد فيه فبعثه من مرقده، وأحياه - إن صح هذا التعبير - فأبقاه حياً متحركاً نشطاً في نفوس الناس وضمائرهم واهتماماتهم.... ومن هذا التعريف للعبقرية الإعلامية ومن هذا التصوير لها يمكننا أن نستعرض أعمال ونشاطات وآثار الوزراء السبعة الذين تعاقبوا على قيادة (وزارة الإعلام) خلال الخمسين سنة الماضية بدءاً من الشيخ (جميل الحجيلان) متعه الله بالصحة والعافية حتى وزيرنا الحالي معالي الدكتور (عبدالعزيز محيي الدين خوجة) - الذي لا ينطبق عليه هذا التقييم لأنه ما زال في سنته الأولى في هذه الوزارة - أقول: إذا استعرضنا أعمال هؤلاء الوزراء السبعة - أو الستة حتى نكون دقيقين في تقييمنا - نجد وبكل موضوعية أن الوزير الذي وصل إلى سدة العبقرية وتربّع عليها وتمكّن من القبض على ناصيتها هو الشيخ (جميل الحجيلان) دون منازع وأنا حينما أقرر هذا الأمر الذي أظن أنه لا يختلف عليه أحد لا أقلّل من الجهود والأدوار الأخرى التي قام بها الآخرون من أصحاب المعالي الوزراء، وخاصة ما قام به معالي الشيخ (إبراهيم العنقري) عليه رحمات الله، فقد كانت درجات جهودهم مختلفة، وأهمية أدوارهم متباينة، وقد كاد بعضهم أن يصل إلى ميدان العبقرية الإعلامية...
وقبل أن أتحدث عن الأمور والميادين التي تجلت فيها عبقرية الشيخ (جميل الحجيلان) الإعلامية.. أود أن أرجع إلى الوراء قليلاً.. فالشيخ (جميل).. أظنه من مواليد نهاية العشرينيات أو بداية الثلاثينيات من القرن الميلادي الماضي.. وهذا يعني أنه في عام ألف وتسع مائة وخمسين أو دونها بقليل تحصل على شهادة الدراسة الثانوية، وفي هذا الوقت شعر وأترابه من أبناء جيله أن الوطن - المملكة العربية السعودية - في أمسّ الحاجة إلى جهوده وجهود إخوانه من أبناء جيله الطليعي، وأن عليه أن يكوّن نفسه ويبنيها ويجعلها على أتم الاستعداد لتحمّل المسؤوليات التي تنتظرها في بناء الوطن، والقيام بالمهام التي ترنو إليها في تحقيق مجد الأمة، فاختار لنفسه أن يدرس (القانون) في (جامعة القاهرة) والقانون، هو الطريق إلى العمل في مجال السياسة والدبلوماسية والإعلام، وهي الميادين التي شاء الله تعالى للشيخ (جميل) فيما بعد أن يخوض غمارها، ويعتلي منابرها..
كان جيل الشيخ (جميل) ممن يعتني في دراساته مهما كان نوعها، يعتني باللغة العربية.. ولكن (الشيخ) زاد من عنايته بها وهو يتابع دراساته الجامعية، نحواً وصرفاً وبلاغة وبياناً، حتى تمكّن من إتقان الكتابة بها، والمناقشة والمحاضرة والحوار.. ثم أدرك بحسّه المرهف، وبشعوره المسبق بما ينتظره في مقبل الأيام أن إتقان التحدث والكتابة والحوار باللغة الإنجليزية واللغة الفرنسية وهما اللغتان الأساسيتان في التعرّف والانفتاح على ما في العالم من مدينة وحضارة.. أدرك أن إتقان ذلك أمر في غاية الأهمية، فقام به وعمل على أن يكون متميزاً في هذا المجال، متفوقاً في هذا الميدان..
وبعبارة أخرى فقد هيأ الشيخ (جميل) نفسه بدراسته للقانون، وتمكنه من لغته العربية، وإتقانه للغتين الإنجليزية والفرنسية وبما أكرمه الله به من تربية بيتية، ومواهب شخصية وخلقية وعقلية، لانتدابه في الوقت المناسب، واختياره لإدارة الموقع الذي تراه له قيادة هذه البلاد في مرحلة البناء والتطوير والتقدم والازدهار.
ولما اشتد الشيخ (جميل) واستوى على ساقه بدأت قيادة هذه البلاد الحكيمة بتكليفه ببعض الأعمال، كان منها تسميته كأول سفير في دولة (الكويت) الشقيقة بعد نيلها الاستقلال....
وفي عام ألف وثلاث مائة وثلاثة وثمانين من القرن الهجري الماضي، أنشئت (وزارة الإعلام) في المملكة كوزارة، وكلّف الشيخ (جميل الحجيلان) بأن يكون أول وزير للإعلام.. فخطّط ونفّذ، ورتّب ونظّم، وأقام وأقعد، وأسس وبنى، وفعّل ودرّب، وجمع فأوعى على مدار السنوات السبع أو الثماني التي قاد فيها وزارة الإعلام حتى صارت شيئاً مذكوراً، وثقلاً يحسب حسابه، ومؤشراً مهماً تنتظر دلالته على النطاق المحلي والعالمي.. وللتدليل على ما قصدته في هذا المقال وهو إبراز العبقرية الإعلامية التي تجلّت في الشيخ (جميل الحجيلان) بعد قيادته لوزارة الإعلام خلال تلك السنوات، أسمح لنفسي بانتقاء بعض الجوانب والميادين التي تجلّت فيها تلك العبقرية، وظهرت آثارها ونتائجها... من ذلك قيام (إذاعة الرياض) في عام ألف وثلاث مائة وأربعة وثمانين ثم قيام (تلفزيون المملكة) في عام ألف وثلاث مائة وخمسة وثمانين....
وإذا أضفنا إلى قيام هذين المشروعين المهمين، ضرورة تدعيم الإذاعة في (جدة) - والتي كانت موجودة منذ مدة طويلة - فإن هذا التطلع وهذه الرؤية تتطلب لتتحقق عدداً كبيراً من الخبراء والمهنيين وأصحاب الباع في ميدان إذاعة المواد المختلفة وإخراجها، وفي ميدان تحريرها وترجمتها، وفي ميدان إعدادها وتصويرها، ليقوموا بمهتمين: الأولى القيام بأعباء الأعمال التي يجيدونها بأنفسهم، والثانية أن يقوموا بتدريب الأجيال السعودية الشابة التي تتوجه للعمل في الإذاعة والتلفزيون.
لقد أتيت إلى المملكة في الشهر الأول من عام ألف وثلاث مائة وأربعة وثمانين للهجرة، وقد وجدت عدداً من الإذاعيين العمالقة يعملون قبلي في إذاعة (جدة)... وجدت المذيع الكبير، بل المذيع الأول في ذلك الوقت في العالم العربي الأستاذ (منير شماء) قادماً من القسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية، والأستاذ الشاعر المذيع (منير الأحمد) عليه رحمة الله قادماً من (سورية) والأستاذ - الذي صار دكتوراً فيما بعد - المذيع (عمر الخطيب) عليه رحمة الله قادماً من (الأردن)، والأستاذ الشاعر (سعيد الهندي) عليه رحمة الله، قادماً للإخراج الإذاعي من (لبنان)... وهنا يجدر بي أن أبين الحقائق المتعلقة بشخصي لأدلل أن استقدامي في الأصل للعمل في المملكة كان بناء على أسس ومعطيات سابقة، فقد نجحت في مسابقة أعلنت في (سورية) لانتقاء عدد من المذيعين للعمل في التلفزيون سنة إنشائه هناك عام ألف وتسع مائة وستين ميلادية.. وقد تقدم لتلك المسابقة ست مائة وستة وخمسون متسابقاً ومتسابقة.. وكانت لجنة الاختيار تضم عدداً من خبراء الإعلام والعاملين في ميادينه في كل من (سورية) و(مصر)، فقد جرت تلك المسابقة إبان الوحدة السورية المصرية، وقد تضمنت اختبارات المسابقة اختبارات تحريرية واختبارات شفهية واختبارات عملية.. وكانت النتيجة أن فاز خمسة فقط من بين هؤلاء المتسابقين كنت الأول عليهم بفضل الله وتوفيقه.. ولقد كنت واثقاً من الفوز بهذه الدرجة قبل دخولي المسابقة رغم أن عدداً من المتسابقين كان يحمل شهادة (الدكتوراه) وبعضهم الآخر كان يحمل شهادة (الماجستير)، وكثير منهم كان يحمل شهادة (البكالوريوس)، وما كنت أحمل إلا شهادة الدراسة الثانوية إلى جانب كوني طالباً أدرس في (كلية الحقوق) بجامعة (دمشق).. كنت واثقاً من الفوز بتلك الدرجة! والسرّ أنني كنت أخطب (الجمعة) قبل تلك المسابقة بأكثر من سبع سنوات.. أخطب بصورة ارتجالية، وقد بدأت في ذلك منذ كنت في الرابعة عشرة من العمر، ويعود الفضل في هذا الأمر إلى الله سبحانه وتعالى ثم إلى تشجيع ومساندة المربي الحكيم، والعلامة العظيم، أستاذي الشيخ (أحمد كفتارو) عليه رحمات الله، المفتي العام السابق في (سورية)، الذي مكنني من ارتقاء منبر (الجمعة) في جامعه الكبير (جامع أبي النور) في (دمشق) في ذلك العمر المبكر!!.
وأجد من المناسب أن أستعرض أهم أسماء الطاقات والخبرات التي استقدمها الشيخ (جميل الحجيلان) من كل من (سورية) و(الأردن) و(لبنان) و(فلسطين)، وغيرها في الأعوام 1383 و1384 و1385 - ولم تكن بينها مصر، فقد كانت القطيعة قائمة في تلك السنوات - وذلك للعمل في جهازي (الإذاعة) و(التلفزيون) خاصة، ولتدرب في نفس الوقت الأجيال السعودية الشابة الملتحقة بهذين الجهازين.
استقدم الأستاذ (عبدالغني العطري) رئيس تحرير مجلة (الدنيا) الثقافية الفنية الدمشقية، والأستاذ (محيي الدين القابسي) عليه رحمة الله كاتب (السيناريو) الشهير، والأستاذ (زكريا تامر) القاصّ السوري المعروف، والأستاذ الشاعر (راضي صدوق) والكاتب الإذاعي المتميز، والأستاذ (فواز عيد)، والأستاذ (مسلم البرازي) الشاعر الغنائي الكبير الذي أثرى مكتبة (الإذاعة والتلفزيون) بعشرات القصائد والأغاني الإسلامية والوطنية والوصفية والعاطفية.. ولا تزال تتردد في آذاننا قصائد وكلمات (فيصلنا يا فيصلنا) و(أبو عبدالله) و(أبو تركي وأخو نورة) و(إسلامية إسلامية) و(إلى فلسطين الحبيبة) و(فيصل هو الحد الفاصل) و(حنّا من القصيم حنّا)، و(رمان الطايف).... و:
قومي في العُرب هم الأولُ
ولأجل الخالق ما فعلوا
من (مكة) أشرق دينهم
ومن (الدرعية) قد عدلوا
و:
أصل العروبة من هنا
من (نجدنا) و(حجازنا)
والله جلّ جلاله
ختم الرسالة من هنا
و:
العدل أساس الملك هنا وهو الميزان
و(الفهد) و(عبدالله) لنا أمن وأمان
واستقدام الشيخ (جميل) أيضاً المذيع التلفزيوني الكبير الأستاذ (ماجد الشبل)، قبل استرداده لجنسيته السعودية، شفاه الله وعافاه، والذي أثبت وعلى مدى يقترب من أربعين عاماً أنه المذيع التلفزيوني المتمكن، والوجه المشرق الجذاب، والصوت الشاعري المعبّر، الحضور الذهني المتوقد..
وكذلك استقدم من المخرجين التلفزيونيين، المخرج الكبيير الأستاذ (خلدون المالح) والمخرج الكبير الأستاذ (منذر النفوري) عليه رحمة الله، والمخرج الكبير الأستاذ (رياض ديار بكرلي)..
واستقدم من مصوري الصحافة والسينما والتلفزيون السيد (جيجو) والسيد (غارو) الذي هداه الله إلى الإسلام، فأصبح اسمه (عبدالله سامي).. وهذان المصوران هما من أصل أرمني، وهما من أقدر الناس في مجال التصوير عموماً والتصوير الصحفي خصوصاً، والسيد (سهيل القريشي) وهو مصور ممتاز من باكستان، والسيد (شفيق الزعيم) المصور التلفزيوني المعروف..
استقدم أيضاً في مجال (الإرسال الإذاعي) طاقتين كبيرتين متميزتين أولهما المهندس الأستاذ (عبدالعليم السباعي) فعمل في محطة إرسال (الدرعية) وكان يعمل في (سورية) مديراً لمحطة إرسال (سراقب) بالقرب من مدينة (حلب)، وثانيهما المهندس الدكتور (عدنان النحوي) فعمل في محطة إرسال (خريص) وكان يعمل في (سورية) مديراً لمحطة إرسال (حمص).
استقدم كذلك المخرج الإذاعي الشاعر (سيف الدين الدسوقي) من (السودان) والمخرج الإذاعي الأستاذ (نزار شرابي) عليه رحمة الله من (سورية) والأستاذ (محمد علي كريم) المذيع العراقي الكبير.
واستقدم كعناصر فنية للتشغيل الإذاعي، المهندسين (مصطفى كمال جابر) عليه رحمة الله.. و(محمد عبدالوهاب القادري) و(علي فلو) و(علي البرازي)..
وكوّن وأسس فرقة موسيقية لأداء الأغاني والأناشيد التي تسجل في استديوهات الإذاعة والتلفزيون واستقدم لها عدداً من العازفين المشهورين منهم الأستاذ (مهران) عازف الكمان والذي شغل موقع رئيس الفرقة الموسيقية فترة من الوقت.
والأستاذ عدنان المحبك عازف القانون والأستاذ قانصاو قات عازف الأوكورديون، والأستاذ جمال مرادني عازف الكونترباص والأستاذ عبدالسلام سفر عازف الناي الشهير. وكذلك استضاف ولفترة طويلة الأستاذ أحمد عسة عليه رحمة الله الذي سبق ذكره كواحد من عباقرة الإعلام في سورية فألف كتابه الشهير (معجزة فوق الرمال) والأستاذ نهاد الغادري فألف كتابه (التحدي الكبير) والأستاذ عبدالوهاب الفتال فألف كتابه (جزيرة وملك).. وهذه الكتب كلها تتحدث عن المملكة وتاريخها وتطورها وإسهامها الكبير في نهضة العرب و المسلمين وتأثيرها الإيجابي على المسيرة العالمية للحضارة.
ومن الخطوات العبقرية الجريئة التي قام بها الشيخ جميل الحجيلان في (وزارة الإعلام) أنه أدخل ولأول مرة العنصر النسائي إلى الإذاعة والتلفزيون ضمن الضوابط الشرعية ليقوم بواجبه في المشاركة في برامج الإذاعة والتلفزيون وكلف أخته السيدة (سلوى إبراهيم الحجيلان) والتي هي في نفس الوقت زوجة الأستاذ (عباس فائق غزاوي) عليه رحمة الله المدير العام الأسبق للإذاعة والتلفزيون لتكون إحدى الطليعيات المشاركات في برامج الإذاعة والتلفزيون.
ومن مظاهر عبقرية الشيخ جميل أنه بارك الله فيه كان يتدخل ويشارك فيما يتعلق ببرامج الإذاعة والتلفزيون الجديدة، ويقترح إيقاف ما استنفد أغراضه من بينها، وكان يشارك في اختيار أسماء البرامج أو تصويبها، وكان يساهم أيضاً في اختيار شادات البرامج وألحانها الموسيقية، وكان يرى أن البرنامج الفلاني يناسب المذيع الفلاني، وأن البرنامج الحواري هذا يجدر أن يستضيف هذا الشخص أو ذاك أو ذلك.. والحديث في هذا الميدان يطول إلى درجة كبيرة. ولست أدّعي بطبيعة الحال أنني سأحيط بكل معالم عبقرية الشيخ (جميل الحجيلان) الإعلامية في هذا المقال، فذلك مطلب عصي المنال عليّ في مقال واحد.. وحسبي أنني ألممت بجوانب من هذه العبقرية الإعلامية العربية وقد قيل: (ما لا يدرك كله لا يترك جله) على أنني سأختم بإيراد هذه المواقف الثلاثة التي حدثت معي وكنت شاهداً عليها للتاريخ.
أول هذه المواقف أنه بعد افتتاح التلفزيون في عام ألف وثلاث مائة وخمسة وثمانين للهجرة، دعاني الشيخ (جميل) إلى مكتبه وقال لي: سمعت أنك كنت تقوم بإعداد وتقديم برنامج حواري أسبوعي تلفزيوني اسمه (مجالس الإيمان) تتناول فيه قضايا الإسلام المهمة، وتستضيف لذلك في كل حلقة عدداً من العلماء
والمفكرين والمختصين للحوار والمناقشة في الموضوع المطروح، وذلك حينما كنت في (دمشق)؟ قلت: نعم.. وقد نال هذا البرنامج قصب السبق من خلال الاستفتاء العام الشعبي الذي نظم عن برامج التلفزيون التلفزيوني في العام الماضي.. قال: هذا شيء حسن وأريدك الآن أن تستأنف إعداد وتقديم هذا البرنامج من هنا، مستعيناً بالله أولاً ثم بالعدد الكبير من العلماء والمشايخ والمفكرين والمختصين الذين تزخر بهم بلادنا، وتحفل بهم جامعاتنا، وأرشح لك من بينهم على سبيل المثال لا الحصر، الشيخ (علي الطنطاوي) والشيخ (عبدالعزيز بن باز) نائب رئيس الجامعة الإسلامية والشيخ (عبدالله المسعري) رئيس ديوان المظالم والشيخ (عبدالعزيز بن حسن آل الشيخ) وزير المعارف السابق والشيخ (محمد علي الحركان) قاضي المحكمة الكبرى في (جدة) -رحمهم الله جميعاً- والشيخ (عبدالله بن خميس)... وتحوّلت رغبة معاليه الكريمة إلى حقيقة واقعة.. وظل هذا البرنامج معلماً من المعالم المميزة لتلفزيون المملكة أكثر من عشرين عاماً، وطفت به في كل مناطق المملكة وشارك في حلقاته أبرز علمائها ومشايخها ومفكريها، ثم تنقلت به ما بين (الكويت) و(سورية) و(لبنان) و(الأردن) و(تونس)، وشارك في حلقاته علماء ومفكرو تلك البلدان، وقد نال هذا البرنامج المرتبة الأولى بين البرامج الدينية في المؤتمر الأول للبرامج التلفزيونية في دول الخليج المنعقد في الكويت عام ألف وتسع مائة وثمانين للميلاد.
في الموقف الثاني، وكان في عام ألف وثلاث مائة وستة وثمانين للهجرة، استدعاني الشيخ (جميل) حفظه الله من بيتي عصر أحد الأيام.. وقال لي: نتلاقى في محطة (تلفزيون الرياض) القديمة الأولى وكانت بناء من الزنك.. ووصلنا إلى المحطة فقال لي (الشيخ): أنا سأدخل هذه الغرفة وأشار إلى غرفة الاجتماعات في تلك المحطة، لمدة ساعة أو أكثر لأكتب تعليقاً عن اغتيال الأستاذ (كامل مروة) عليه رحمة الله صاحب ورئيس تحرير جريدة (الحياة) اللبنانية الذي اغتالته يد الغدر العلمانية اليسارية الحاقدة.. وكان يرحمه الله صديقاً من أصدقاء المملكة المخلصين المدافعين عن سياساتها في كل الأوساط.. لذلك يقول (الشيخ) أرجوك أن تنتظرني لأنك ستقوم بقراءة هذا التعليق على الهواء هذه الليلة بعد نشرة أخبار التلفزيون الرئيسية.
انتظرته إلى أن خرج من الغرفة وبيده صفحات التعليق، فدفعه إليّ وقال لي: أنا ذاهب الآن إلى طويل العمر -الملك فيصل عليه رحمات الله- وسأستمع إليك وأنت تقرؤه.. سأستمع إليك في معية جلالته!.
أعطاني هذا الموقف شجاعة كبيرة وحماساً عظيماً.. وقرأت ذلك التعليق في حينه.. وأعتقد -ثقة بالله - أنني كنت موفقاً في ذلك كل التوفيق.. لقد كان عنوان ذلك التعليق الذي كُتب كتابة رفيعة المستوى.. كان عنوانه (لماذا قتلوه؟).
الموقف الثالث وحدث في عام ألف وثلاث مائة وسبعة وثمانين.. فقد طُلب مني أن أسافر على عجل إلى (بيروت)، وألتقي بمعالي الشيخ (جميل) الذي كان في (جدة) في تلك الآونة.. ومعه زميلنا الكبير الدكتور (عمر الخطيب) عليه رحمة الله.
وسافرت والتقيت بمعالي (الشيخ) والزميل الحبيب (عمر) عليه رحمة الله.. وقلت لمعاليه (شبيك لبيك ها أنا بين يديك) قال الشيخ: لقد تقرر إنتاج فيلم سينمائي إعلامي عن الحج، أرجو الله أن يكون رائداً، وسيكون ناطقاً باللغة العربية، وسنعمل منه نسخة أخرى تكون ناطقة باللغة الإنجليزية، ونسخة ثالثة تكون ناطقة باللغة الفرنسية، وقد صور أفلامه المصور الباكستاني الكبير الذي سبق ذكره وهو السيد (سهيل القرشي) وسنتعاون في إنتاجه مع استوديو (بعلبك).
ثم أردف يقول: وبعد الحوار والنقاش هداني الله لاسم مناسب له هو (الطريق إلى عرفات).. قلت معلقاً: الاسم مناسب جداً لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول (الحج عرفة).
قال الشيخ (جميل): الحمد لله على ذلك.
قلت: ولكن ما المطلوب منك أن ترتب لنا مشاهد الفيلم حسب ترتيب الشعائر.. ثم أن تكتب النص بالعربية.. ثم أن تقوم بقراءة هذا النص بصوتك ليتم تثبيته على نسخة الفيلم العربية.
قبلت المهمة لأنها تشريف بالمساهمة في خدمة فيلم سينمائي إعلامي رائد ينتج عن الحج وما تقدم الحكومة السعودية له من تسهيلات كثيرة ينعم بها المسلمون الحجاج جميعاً.. وهو بالمواصفات التي شرحها لنا معالي الوزير يعتبر عملاً فريداً من نوعه ينتج لأول مرة.. لكن أصابني شيء من الخوف بل من الهلع الذي لم أظهره، لأنني أقوم بمثل هذا العمل أول مرة في حياتي!! لكنني توكلت على الله ولجأت إليه أطلب منه العون، وأن يهديني سواء السبيل.
استغرق العمل حوالي شهرين أقمنا معالي الوزير والدكتور (عمر الخطيب) عليه رحمات الله، وأنا أقمنا في (بيروت) من أجل ذلك على فترتين.. وتمت خطوات العمل بإشراف معالي الوزير مباشرة.. وكانت اجتماعاتنا اللازمة لهذا الإنجاز تتم في إستديو (بعلبك) أو في مقر سكن معالي الوزير أو في مقهى قريب منه!.. وكنا نراجع المشهد الواحد والتعليق أكثر من مرة لحرصنا على الدقة والصدق من جهة، وأن يكون الكلام أو التعليق على الفيلم متطابقاً مع شعائر الحج وغاياتها، وأن يتم كل ذلك في إطار شيق جميل جذاب.. وانتهينا من عملية (المونتاج) ثم من قراءة التعليق ثم من اختيار الموسيقى والمؤثرات الصوتية، وأخيراً من عملية (الماكساج).. وتم إنتاج الفيلم المطلوب على شريط سينمائي (35مم) بالألوان مدته ثلاث وستون دقيقة.. وكان هذا العمل إنجازاً كبيراً بكل ما تحمله هذه الكلمات من معانٍ.. وتم فيها بعد إنجاز نسخة أخرى تم التعليق عليها باللغة الإنجليزية بجهود من الدكتور (عمر) يرحمه الله، ونسخة ثالثة كان التعليق عليها باللغة الفرنسية بجهود من آخرين.. ولقد أنجز هذا العمل الإعلامي الضخم العملاق قبل حوالي ثلاثة وأربعين عاماً، ووزعت نسخ منه في أرجاء الدنيا.. في كل مكان لنا فيه سفارة أو قنصلية أو مكتب إعلامي.. أو فيه مركز ثقافي، أو مؤسسة إسلامية.. وفي اعتقادي أن هذا العمل الإعلامي البطولي الرائد الذي أنجزه بفضل من الله، معالي الشيخ (جميل الحجيلان) يعتبر عملاً إعلامياً فريداً مميزاً.. ويكفي أن نعلم أنه لم يتمكن أحد حتى الآن.. فرداً كان أو مؤسسة أو هيئة من إنتاج ما يشبهه أو يضاهيه أو يماثله!.
لقد كان (سيف الدولة الحمداني) أميراً عربياً مسلماً يتخذ من مدينة (حلب) عاصمة لدولته.. وكان رحمه الله ناذراً نفسه وجيشه للدفاع عن الجهة التي كان فيها شمال العالم الإسلامي، وقد أمضى حياته في مقارعة (الرومان).. وكان له معهم صولات وجولات، ومعارك ووقعات.. تبارى الشاعران العربيان الكبيران (المتنبي).. وابن عمه (أبوفراس) في وصفها والإشادة بها، وبيان أهميتها، وتسليط الأضواء على شجاعته وتضحياته وبطولاته التي تجلت فيها، ومن ذلك ما قاله (المتنبي) في بعض قصائده:
ليس إلاّك يا (عليُّ) همامٌ
سيفه دون عرضه مسلولُ
= وعليّ هو سيف الدولة=
كيف لا تأمن الشآم ومصرٌ
وسراياك دونها والنصولُ
أنت طول الحياة للروم غازٍ
فمتى الوعد أن يكون القفول
= والقفول هو الرجوع من المعركة وتوقف القتال=
ما الذي عنده تدار المنايا
كالذي عنده تدار الشَّمولُ
= والشمول هي الخمر- أي ليس المجاهد للأعداء المقاتل لهم كالذي يلهو ويعبث ويشرب الخمر.
ولقد جمع (أبوفراس)، هذا الأمير العربي المسلم المجاهد الغبار الذي كان يعلق على ثيابه وسرج فرسه في المعارك الكثيرة التي خاضها في مقارعة (الرومان)، وصنع منها (لبنة) أوصى أن يوسَّد بها في قبره بعد مماته، لتكون خير شاهد له أمام الله سبحانه وتعالى على ما خاض من معارك وما قدّم من تضحيات، وما بذل من جهود في سبيل الله دفاعاً عن الإسلام والمسلمين، وحماية لأرض التوحيد، وحرصاً على أن تكون كلمة الله هي العليا.
واقتراحي الذي أضعه بين يدي الشيخ (جميل الحجيلان) هو أن يتخذ من فيلم (الطريق إلى عرفات) شاهداً على جهوده وجهاده الذي قدّمه لدينه وأمته ومليكه ووطنه.. شاهداً حياً ناطقاً يشهد له أمام الله سبحانه وتعالى يوم يقوم الناس لرب العالمين.. بعد عمر مديد تكتنفه الصحة والعافية والبركات والمسرات..
وحاشا لله أن يضيعَ أجر من أحسن عملاً.
انتقل إلى رحمة الله في شوال 1434هـ