انقضى عام كامل، وطوي معه موسم ثقافي بطول البلاد وعرضها وعلى كافة الأصعدة الرسمية منها وغير الرسمية، فبين أندية أدبية تتأرجح بين علو وهبوط واشتعال وانطفاء، وبين جمعيات تحارب لتبقى في مشهد يحتفي بها بين الحين والآخر وينساها أو يتناسى أهمية دورها في الكثير من تفاصيله وأعطياته ومنحه، حتى بدت الجمعيات منزوية في نظر الكثير من المثقفين عن المشهد وخارجة عن سياق معاركه وانتخاباته، وليست الصالونات الأدبية ببعيد حين يتعلق الأمر بصناعة مشهد ثقافي مميز فلها إطلالاتها وجهودها التي تبز بها المؤسسة الرسمية كما يشهد لها المتابعون رغم قلة الدعم أو انعدامه واعتمادها على الأشخاص في الكثير منها.
لا بد أن العام الذي مر قد حمل في طياته الكثير من علامات التوقف والتعجب والاستفهام، ولا بد لكل عمل في نهاياته أن يجد تقييماً من المنشغلين به والواقفين على تفاصيل ما يعتصر بداخله من فعاليات ومناشط وصراعات ومطاحنات لتبدو الصورة أكثر وضوحاً والعتمة أكثر ضوءاً حتى للمتابعين عن بعد.
مر المشهد الثقافي في البلاد في هذا العام بالعديد من مراحله وتوقفاته التي ربما أحدثت شغباً وبلبلة عند المنشغلين بصناعة هذا المشهد، ولعل مرور ثلاثة رؤساء للإدارة العامة للأندية الأدبية على هذا المشهد خلال عام واحد كفيل ببعثرة العديد من أوراقه، وتقليب الكثير من صفحاته، وإعادة صياغة وجهه الذي يجب أن يظهر به، نجح من نجح وفشل من فشل وتوارى عن المشهد من توارى رغبة منه ونأياً عن كثير القول لا الفعل، لكن البارز للمتتبع أن الفترات الثلاث مرت بهدوء نسبي في آخر فترتها الأولى ثم انتهت بإقالة، واشتعل المشهد بعدها تفاؤلاً بالتغيير وإصراراً على صناعة ملامح جديدة لمشهد عانى ويعاني الكثير، ثم عاد لتخمد نيرانه مجدداً بعد أشهر عاصفة حفلت بالكثير من الصراعات والملاسنات والتغييرات والاستقالات.
في هذا السياق تحدث المدير الإداري بنادي الشرقية الأدبي الشاعر طلال الطويرقي قائلاً: أعتقد أن الموسم الثقافي هنا كان مميزا بشكل كبير وواضح للعيان، فقد أثمرت كثير من الجهود الحثيثة لتكامل ثقافي مرضٍ إلى حد كبير، فكانت شراكة النادي الأدبي مع جامعة الدمام مثمرة جدا في إقامة أنشطة وورش عمل ثقافي مميزة بحضورها الفاعل، كما كانت أيضا شراكة النادي مع الجمعية وأرامكو السعودية قد أثمرت مهرجانا مسرحيا مميزا وكبيرا، هذا بالإضافة إلى أنشطة النادي المجدولة والخاصة به.
ويتابع الطويرقي: غير إني لازلت -كمثقف- أطمح بتوطيد علاقات ثقافية مشتركة مع جهات مختلفة كبرنامج إثراء الذي له الكثير من المناشط المهمة والجهد الكبير الذي يلحظه الجميع عبر إعلانهم الجيد لمناشطهم تلك، ولا نغفل أيضا ما تقوم به كثير من المنتديات الأهلية في المنطقة من جهد دؤوب وواضح ومشرق، وأعتقد أن هذا الزخم من الأنشطة لا يحتاج أكثر من التكامل فيما بينها وهذا ما أنتظره مع تقديري للجميع.
وعلى صعيد آخر تحدث رئيس منتدى عبقر الشعري بنادي جدة الأدبي الشاعر عبدالعزيز الشريف عن الموسم الثقافي وخصص الحديث عن العروس جدة بقوله: جدة مدينة حالمة وعروس يليق بها الفن بكل فضاءاته، شعر، قصة، رواية، تشكيل، موسيقى، إلخ. وأضاف الشريف: أشعر بالسعادة البالغة حينما أجد هذه المدينة المتسامحة مع ساكنيها وهي تتزين بفعاليات متنوعة سواء في النادي الأدبي الثقافي، أو في جمعية الثقافة والفنون، أو في بيت التشكلين، أو في الصالونات الثقافية الخاصة، والتجمعات الفكرية الخاصة في المقاهي وغيرها، إلى جانب بعض التجمعات النسائية المميزة والعريقة، كل هذا وغيره يشعرني بالفرح وأن الجمال حاضر في مدينة الحياة جدة، «كل هذه المناخات أسهمت بلا شك في تفعيل الحراك الثقافي، وشهدت إقبالا جيدا وأجزم أن هذا التنوع يخلق روح التنافس النبيل، فالنادي له نشاطه وفعالياته، وبالقرب منه جمعية الثقافة والفنون، والصالونات الثقافية بكل مالها وما عليها، وبرغم هذا الزخم فإنني ومن خلال رأي شخصي جدا أرى أن هناك خلط وشتات وتكرار وسوء تنسيق فيما بينها، بل قد يشعر الإنسان أن هناك تضخم وذاتية، وخاصة من بعض الصالونات الثقافية التي لا يهم بعضها للأسف إلا تضخيم ذاتهم، فقد نجد أن مواعيد النشاطات متزامنة مع بعضها البعض، والأسماء مكررة هنا وهناك، والحبل مفلوت بينها، وكل يغني على ليلاه، حتى أن النادي في جدة وجمعية الثقافة والفنون وهما في سور واحد ولهما باب واحد وبينهما أمتار فقط، ومع ذلك تجد أن كلاً يعمل بمفرده وفي بعض الأحيان تكون فعاليتهما في نفس التوقيت، لذا أقول أنه مادام الهدف الأسمى هو خدمة الثقافة فيجب توحيد الجهد أو في أضعف حالات الإيمان نطالب بالتنسيق فقط، ومتى يأتي اليوم الذي نرى فيه هذا الشتات الثقافي في مدينة كجدة وقد جُمع في مكان واحد، وتحت مظلة واحدة، وبإدارة محترفة مثقفة تعي معنى الثقافة « كمركز ثقافي « نجد فيه الفن بكل فضاءاته وأطيافه وفي مكان جميل يليق بالمثقف في هذا البلد الغني القادر، ومع هذا أجد أن المشهد الثقافي المتحرك نوعا ما في جدة أفضل من لا شيء وأفضل من غيره بمراحل
ونتطلع إلى أن تخرج الثقافة للشارع، للناس، للهواء، وأن نجدها في كل زاوية، وألا تكون حكرا وأسيرة للكلمة البائدة « النخبة « وأن يؤطر هذا التخلق معرض محترم للكتاب يقدم للعروس « جدة « ولغيرها من المدن الجديرة بكل جمال.