ليس الفوز بجائزة نوبل في مجال الأدب هو ما يجمع فقط الكاتبة الكندية أليس مونرو الحاصلة على الجائزة هذا العام 2013بالكاتب العربي الراحل نجيب محفوظ الحاصل عليها للعام 1988، لكن هناك أيضاً البدايات المتعثرة لكليهما. فكما عانت أليس من بدايات متعثرة اضطرتها لاجتراح العديد من المحاولات الفاشلة في سبيل نشر منتجها الأدبي قبل أن تنجح أخيرا في محاولة النشر، عانى محفوظ من ذلك أيضاً.
وقد نجحت أليس في نشر نصوصها بعد نحو 15 سنة من الإصرار والمثابرة على إعادة المحاولة المرة تلو الأخرى. فنشرت أولى قصصها في عام 1950 تحت عنوان “أبعاد ظل”. وصدرت أول مجموعة من قصصها في عام 1968 تحت عنوان “رقصة الظلال السعيدة، والأمر نفسه حدث مع محفوظ الذي بدأ الكتابة في وقتٍ مبكر من منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي ، إلا أنه لم يلق اهتماماً حتى قرب نهاية الخمسينيات، فظل مُتجاهلاً من قبل النُقاد لما يُقارب خمسة عشر عاماً قبل أن يبدأ الاهتمام النقدي بأعماله في الظهور والتزايد، وينجح في نشر رواية ظلت حبيسة أدراجه سنوات طويلة.
ففي عام 1939، نشر روايته الأولى «عبث الأقدار» وفيها قدم مفهومه عن الواقعية التاريخية. ثم نشر «كفاح طيبة» و»رادوبيس» منهياً بذلك ثلاثية تاريخية في زمن الفراعنة. وبدءاً من عام 1945 بدأ نجيب محفوظ خطه الروائي الواقعي الذي حافظ عليه في معظم مسيرته الأدبية برواية «القاهرة الجديدة»، ثم «خان الخليلي» و»زقاق المدق».
ويستقي الكاتب المصري والكاتبة الكندية أعمالهما السردية من الواقع حيث يوصف أدب محفوظ بالأدب الواقعي وربما لهذا السبب يعد محفوظ أكثر أديب عربي حولت أعماله إلى السينما والتلفزيون.
وكما التقطت مونرو شخوص قصصها من الفلاحين وأفراد الشعب العاديين ممن نشأوا في مدن صغيرة بوطنها كندا، اهتم محفوظ بالتقاط شخوص رواياته من المهمشين والبسطاء والعامة، ممن يقطنون أحياء القاهرة العتيقة، ما ساعد في انتشار أعمالهما.
ومن الملاحظ أن حيوات أبطال وبطلات مونرو الحاصلة على جائزة «مان بوكر» الدولية أيضا للعام 2009 تمتد عقودا من الزمن ، والأمر ذاته يحدث مع كثير من شخوص روايات محفوظ كما في « الثلاثية»، و»الليل والنهار». وعرف الاثنين مونرو ومحفوظ بالكتابة حول العلاقة الموغلة في التعقيد بين الرجل والمرأة، ومن المفارقة أيضا أن كل من الكاتبين خاض تجربة حياة مديدة تقارب القرن من الزمن مشبعة بالتجارب الإنسانية ما وفر لكليهما خامة خصبة للتأليف والنشر والإبداع، وغرفت مونرو صاحبة مؤلفات «العاشق المسافر» و «الهاربة» و»قريبا» و»المشهد من كاسل روك» و»حلم أمي» و»من تظن نفسك» و»أقمار المشتري» و»الحياة العزيزة»، من سيرتها الحياتية الثرية موظفة إياها في العديد من أعمالها القصصية وكذلك فعل محفوظ الذي وصل به الأمر في نهاية المطاف إلى كتابة مايراوده من أحلام خلال النوم. وهكذا نرى أن العزيمة والإصرار والمثابرة والإرادة وعدم فقدان الأمل، لم تقد فقط مونرو ومحفوظ لتجاوز احباطات وعقبات البدايات، بل قفزت بهما أيضا إلى أعلى سلم المجد والشهرة الأدبية وتوجت نجاحيهما المبهر بالفوز بجائزة نوبل في الآداب الأولى في القصة والثاني في الرواية. ومعروف أن محفوظ أول كاتب عربي يحصل على نوبل للآداب فيما أليس أول كاتبة كندية تنال الجائزة المرموقة التي تقدر بـ1.2 مليون دولار منذ أن فاز بها «سول بيلو» عام 1976.
وبما أننا بتنا في عصر لم تعد مشكلة النشر العقبة الكؤود التي تواجه الكاتب في مطلع حياته يجعلنا هذا نتأمل قليلا حال بعض روائيينا المحليين الشباب من الجنسين الذين تقودهم للأسف شهوة استعجال حب الظهور للخروج للساحة بأعمال روائية هشة، غير مكتملة النضج، أو مكرورة لاتحمل بين سطورها جديداً يدهش، ومن المؤسف أن يستمرئ البعض هذا الفعل ويخرج بالعمل الخديج تلو الآخر، متغافلين أن العبرة في النهاية ليست بالكم وإنما بالكيف وفرادة المنتج الأدبي وجودته. كما يغيب عنهم أهمية ودور نضج التجربة الحياتية للكاتب والاشتغال الجاد المتأني، في كتابة عمل ناضج متفرد تبقى بعض شخوصه خالدة في الذاكرة كما خلدت شخصية أحمد عبدالجواد بطل رواية محفوظ»بين القصرين».