يوم غائب عنا وغائبون عنه، يمر بكل مدن وأنهار العالم ولا يمر بنا. يوم تتعالى فيه هتافات بلغات مختلفة، تتعالق موسيقى البولكا مع تراتيل مونتيفردي. تصافح زلك شيرمن (سيد الخواتم)، ويخترق شذى أزهار قصائد التانكا اليانعة أساطير النورديين وأغانيهم وتلوح أصابع (عازفة البيانو) لأم غوركي ولشاعر الرامايانة، ويهمس بسر زرقة إناث لوحات هيلينا ويزبيكي وتعبر عربات قصائد آنا اخماتوف ويقرأ إعلان كونديرا بصوت شاسع (الحياة في مكان آخر).
إنه يوم 30 سبتمبر احتفالية الترجمة، احتفالية تلاقح البشر والثقافات، والتقاء الحضارات، وسفر الكلمات والأفكار والمعتقدات والصلوات.
احتفالية أشخاص مختلفون شغلوا بفكرة اقتراب البشر من بعضهم البعض، ليحبوا بعضهم بعضا وليتعايشوا بإنسانية، ركضوا خلف اللغات واللهجات، أبحروا في تفاصيلها، أنصتوا إلى موسيقاها، وتأملوا ملامح أهلها وعرفوا تاريخهم وأساطيرهم وجذور وجودهم وعاداتهم وتقاليدهم وإيماءاتهم. استمتعوا بالتعرف على حكايات حضارات أخرى فأحبوا أن تعرف مجتمعاتهم هذه الحكايات.
احتفالية باذخة بدأت منذ عام 1991م حيث تفتح أبواب المكتبات وقاعات المسارح والموسيقى ودور التعليم، كل شيء يشتعل، كل شيء يتحرك، ملامح كثيرة بسحنات مختلفة تلتقي، تضحك، تغني، تكتب، تقرأ نصوصها بلغات مختلفة.
إنها احتفالية اليوم العالمي للترجمة التي تبسط أجنحتها على العالم عدانا، يحضر غيابها الباذخ فينا فنغيب وتغيب لغتنا وثقافتنا وإبداع مبدعينا عن العالم، ويغيب عنا الآخرون. كل شيء حولنا يمارس الصمت وزارة الثقافة، المؤسسات الثقافية، كراسي الجامعات، أمكنة التعليم.
احتفالية اليوم العالمي للترجمة احتفالية يرتب لها الآخرون يلتقون يتناقشون يحكون حكايات شخوص صباحاتهم التي تأتي من الشواطئ البعيدة، يتذكرون المفردات العنيدة والبشر المتسامحين وملامح غريبي الأطوار الذين يسكنون القصور القوطية، وينقلون عذابات التنويرين الذي يدعون للعدالة والحرية والسلام، يحكون كيف تجاوزوا خطر الكلمات، وكيف أمسكوا بروح المؤلف، كيف أبحروا في نقل القصائد إلى ضفاف أخرى وكيف تحدوا تلك العبارة (أن ما يفقد في الترجمة هو الشعر).
ويزدادون فخراً عندما يتذكرون ما قاله سافوري «أن مهمة المترجم أصعب بكثير من مهمة كاتب النص الأصلي «وهنا يشربون نخب مرورهم بشواطئ بعيدة، وتحت لهيب شموس حارة، وبين ملامح شاحبة ويدركون أنهم ابتكروا حياة جديدة لأعمال عظيمة تمجد الإنسانية وتحترمها.
فاصلة حب
إلى معالي الإنسان الأديب د. غازي القصيبي الذي نثر أوراق ياسمين من العالم، واستنشقت شذى حب اليزابيث برواننغ.
احتفاء خاص
إلى مترجمي وطني
أحتفي بإنجازاتكم، بعرق فكركم بين اللغات.
غناء أخير
شكرا للاتحاد الدولي للمترجمين لاحتفائك بمترجمي العالم الذين عبروا بالفكر الإنساني والتنويري إلى جهات الأرض.
- الخبر