في كتابه الجديد (أقنعة الإرهاب) حاول الباحث الأستاذ نجيب عصام يماني الكشف عن مسببات الإرهاب والآثار المترتبة عليه بالعودة إلى جذور الإرهاب، والرجوع إلى تاريخ نشوء بوادره، وذلك لمعرفة المسببات التي أدت إلى موجة العنف التي ضربت مملكتنا الحبيبة.
وتحدث الأستاذ يماني في مقدّمة كتابه عن السبب الداعي لتأليف الكتاب، وأهمية الموضوع، وتشّعب طرائق بحثه ووعورة مسالكه، ويوضّح الأستاذ نجيب كل ذلك في مقدمته قائلاً: «كان لا بد لنا من أن نغوص عميقاً، بحثاً عن الأسباب والعوامل والمؤثرات التي أدت إلى بروز وانتشار هذه الظاهرة (يعني ظاهرة الإرهاب)، وكشف الأقنعة التي يخفي أهدافه وراءها... الحق أقول: هذه مهمة كبيرة تحتاج إلى جهد مضن، وعمل جماعي ومثابرة».
والحقيقة أن الأستاذ يماني قام بجهد واضح في جمع المادة، والربط بينها، ويظهر ذلك في قائمة المراجع والمصادر التي اعتمدها في بحثه، ليكون هذا البحث من ضمن البحوث العلمية التي تسد العجز والقصور العلمي في ندرة الكتب والدراسات التي تعالج مسألة الإرهاب في الواقع السعودي. وقسّم الأستاذ نجيب يماني كتابه على النحو التالي:
-المقدمة.
-الباب الأول: تعريف الإرهاب وأنواعه.
-الباب الثاني: القناع الديني للإرهاب.
-الباب الثالث: أقنعة الإرهاب الديني في المملكة.
-الباب الرابع: المؤثّرات الاقتصادية الاجتماعية الداخلية.
-الباب الخامس: المؤثّرات الفكرية والنفسية.
-الباب السادس: الآثار السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
ثم ختم الباحث كتابه بجمع من المقالات وعنوّن لها بـ( أهم المواضيع التي نُشرت عن الإرهاب والوسطية والاعتدال).
ومّما يحسب لمؤلف الكتاب أنه جمع مادة علمية غزيرة في موضوع الإرهاب، وعاد لبدايات تأريخ قيام الدولة السعودية لمعرفة أماكن نشوء بؤر التطرف التي تقوم على الفكر الإقصائي، كما في حركة إخوان من طاع الله الذين كان لهم جهد بارز في توحيد الجزيرة العربية، وبعد ذلك قادهم تطرفهم إلى حرب موحّد الجزيرة الملك عبدالعزيز آل سعود - طيب الله ثراه-، ثم ما تبع ذلك من وقائع مشهورة كما في معركة السبلة وغيرها. (انظر: صـ 50-68).
ويمضي بك الباحث يماني في حشد كثيف من المعلومات التأريخية والسياسية، قبل أن يجبرك للوقوف متأملاً مليّاً عند استنتاج من استنتاجاته، فتراه يقول: «سيكون من الخطأ، إن لم نقل من التخريج المتعسف، الزعم بأن جماعة الإخوان المسلمين هي «الحاضنة» التي فرَّخت الجماعات الإرهابية في السعودية، كما لا نستطيع في الوقت نفسه أن ننفي تأثر هذه الجماعات بفكر وتوجهات جماعة الإخوان المصرية - والعالمية فيما بعد-» (صـ 122).
ولعلّ رأي الأستاذ نجيب في عدم تحميل جماعة الإخوان المسلمين إثم نشوء جماعات الإرهاب = يعد رأيا يستحق التأمل والوقوف عنده طويلاً، إذ إنه لا ينفي تأثر جماعات العنف بفكر الإخوان المسلمين، إلا أنه يرى أن من التعسف الزعم بأن الجماعة هي التي فرّخت الجماعات الإرهابية.
وأعتقد أن رأي الأستاذ نجيب هذا يعد رأياً متوسطاً بين الرأي القائل بأن الإخوان المسلمين هم سبب نشوء جماعات العنف لدينا - وهو الرأي الرسمي تقريباً-، وبين الرأي الذي يُبرِّئ جماعة الإخوان المسلمين مما حدث من جماعات الإرهاب والتكفير بالسعودية.
ومع تميّز الكتاب في الحشد والجمع إلا أنه لم يخلُ من ثغرات تحسب عليه، ومن ذلك استشهاد الأستاذ نجيب بالقصة التي أوردتها صحيفة الوطن عن معاذ بن الشيخ سلمان العودة، إذ زعمت الصحيفة أن ابن الشيخ ذهب إلى العراق وأن أباه لم يرض بذلك، ورفع إلى المسؤولين يطالبهم بالبحث معه عن ابنه، وعاش الشيخ في قلق.. إلى آخر القصة. (انظر: أقنعة الإرهاب صـ 127-128).
ومن المعلوم عند المطلعين على الشأن المحلي أن هذه القصة مكذوبة من الصحيفة، وأن الشيخ سلمان قد كسب القضية التي رفعها على الصحيفة وتم تغريمها لافترائها عليه وعلى ابنه، ولعل السبب في رأيي أن الباحث كتب كتابه قبل ظهور نتائج التحقيق.
ثم إنه مع تمكّن الأستاذ نجيب من أدوات البحث العلمي، وبراعة قلمه السيّال في التحليل والاستنتاج إلا أن كثيراً مما ورد في الكتاب يقبل الاجتهاد والأخذ والرد، ولست بصدد عرض ومناقشة كل ما فيه، ولكن حسبي في هذا المقام ما تقدّم من عرض مختصر للكتاب.
الكتاب يُضاف لمساهمة مثقفي وباحثي الوطن في مساندة الدولة في حربها ضد الإرهاب، وهو واجب أزعم أن الباحث نجيب يماني قام بواجبه بالكامل في ذلك.
***
بطاقة الكتاب:
العنوان: أقنعة الإرهاب
المؤلف: نجيب عصام يماني
عدد الصفحات: 307
دار النشر: الشفق - بيروت
سنة النشر: 1435هـ -2014م
- جدة