يفضلّ كثير من النقاد أن ينظر للقصة القصيرة جدا من خلال الإعلام الحديث وأنها انبعثت من تحت عباءته وما جاء به، من مشاركات نتيه بالمنتديات (قل سطرا والعضو الذي يأتي بعدك يكمله) أو تويتر وتغريداته أو حالات الفيس بوك وتقلباته، لكني أعتقد لو بحثنا في تراثنا القديم لوجدنا أن القصة القصيرة جدا هي قديمة بأدبنا العربي، وأكثر قدما من القصة القصيرة وما عرف بالمقامات، وبعض ما جاء بكتاب الجاحظ البخلاء ونكت جحا.، إلا نوع من أنواع الـ (ق.ق..ج) وإن لم تكن طبعا بالشكل الموجود الآن، بالمغرب العربي، والأردن، والشام وفلسطين ولدينا تحديدا،. إلا أن النقاد قد يكونون محقون، بجزئية أنه قد يكون الإعلام الحديث، ووسائله المتعددة، ونوافذه المفتوحة، ساهم كل ذلك بالترويج، لهذا النوع من الأجناس الأدبية، على أخرى، وذلك كله لميزة القصر، وهي سمة جاذبة جدا للنص. وبالمناسبة هناك نصوص فيسبوكيه وتويتريه، تعتبر نصا أدبيا كاملا، وفي أحيان مكتمل حتى إبداعيا، من جنس ق.ق.ج
ويأتي تخوف النقاد وكثير من الباحثين وهو خوف مشروع وله وجاهته، وحتى بعض القراء من هذا الجنس الأدبي الجديد خوفا على المعايير الأدبية، والخصائص الفنية للقصة القصيرة. وتأتي محاولات النقاد لتأطيره، وكبح جماح هذا التسابق في كتابة (القصة القصيرة جدا).
ولعل ّالفرق بين القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا هو أن (ق.ق.ج) يجب أن تتوافر بها شروط القصة القصيرة بشكل مضاعف، وأن تزيد عليه بأن تكون وحدة متكاملة، ومكثفة شعوريا لتنقل الصورة الوجدانية أو الحالة الشعورية. وأينا كان ثيم، القصة شخص/ حالة / حدث. وأقول الصورة الوجدانية (لأن الأدب لكي يكون أدبا، لا بد أن يحمل تلك الصورة وألا يخلو منها) ولكي يتم ذلك التصور الوجداني لا بد أن تكون الصورة أو الفكرة واضحة لكي يكون التعبير الشعوري جاهزا ومعدا ولكي يكون مكثفا وشديد التركيز لالتقاطه، غير متشعب أو غير مكتمل بالذات أن ق.ق.ج شديدة الحساسية، والتوتر وتعتمد على التشفير، لغويا وشعوريا بكلمات قليلة، موجزة، تصف حالة شعورية، لحدث أو قد تكون سؤال أزلي عالق. وإن كنت أعتقد أن توفر خصائص، القصة واكتمال بنائها، شيء، والإبداع شيء آخر.
أيضا يمكن القول إن القصة قصيرة جدا، تتوفر بها خصائص القصة القصيرة الكلاسيكية، ويضاف عليها شرطين أساسيين أرى أنهما من أساسيات (ق.ق..ج)، التكثيف وليس الاكتناز، والحشد الشعوري، وليس الدرامي. ولذا أعتقد أن أكبر خطأ يقع فيه الكاتب أو من يريد أن يكون كاتبا أن يبدأ تجربته الكتابية مبتدأ الكتابة بهذا النوع. ليس لأنه صعب، فقط، ومعقدّ قليلا، ولكن لأنه يكشف كثيرا، عن إمكانيات الكاتب ليس فقط ضعف أدواته أو قدرته اللغوية والفنية، إنما يكشف مستوى تفكيره وخلفيته الثقافية.
- الدمام