تقفُ أمامَ أشياء تعرف أنها مستحيلة، وتحاولُ بأحلام اليقظة أن تجعلها ممكنة، فثمة صوتٌ يصيح بكَ مرّةً من أول الذاكرة ومرّاتٍ من أواخر النسيان: ستجتاز المضائقَ كلها، وستفتح الأشياءُ نفسَها أمامكَ، ولكن.. ليس الآن!
فما الممكنُ الآنَ، وكلُّ ما حولكَ مستحيلٌ..؟
تلكَ هواجسُ يمرُّ بها كلُّ كائن في غمرة تجاربه مع الكون.. الكون بمعناه القاسي، الذي لا مفرّ منه إلا بالعدم.. وتختلف الهواجسُ من فرد لفرد كما تختلف التجاربُ من حياة لحياة، ويبقى لكل شيءٍ أثرٌ لن يمحوه الموت..
هل آنَ الآنُ؟
تعبتُ أقولُ: نعمْ
وتعبتُ أخمِّنُ تحتَ القَسَمْ
فالعمرُ يفلتُ من يدي
والدربُ ملَّ من القَدَمْ
وتلك الهواجسُ لا تزالُ توشوشُ أجوائي، منصتاً كنتُ أو ذاهلاً، وتختبر حواسيَ كلها مع كل احتمال لبلوغ شيءٍ من خلاص..
هل كنتَ مثل الناس؟
لا..
فالناسُ كانوا يشبهون وجودَهم
وأنا وجوديَ شُبهةٌ
حتى الغيابْ
حتى سقوط الروح في متن الكتابْ
كم ذا ستشغل نفسك، ومن يعبأ بها، بما ليس لك من تصريفه حيلة أو قرار.. فلماذا لا تترك الريح تجري بالسفن كما يشاء لها الهواءُ؟ ولماذا لا تشعل ليلكَ بنهاراتٍ من صنع يديكَ وتطفئ نهارك بليالٍ من صنع أجفانكَ، وتترك للغبار أن يختار من يحطّ عليه من دون أن تنتفض وحدكَ من الضجر كصخرةٍ تتحرك على الرمال الراكدة، وتستجدي من الغيمات العابرة بضعَ قطرات..؟
يقول هوميروس، فيوصف الأحداث التي آلت إليها حرب طروادة: (وخرج الأبطالُ من الحصان الخشبيّ فقتلوا الحرّاس النائمين على الأبواب، وهبّت من تحت ثرى اليوم أعوامٌ طوالٌ مضرّجة بالدم، ملطخة بالإثم، حافلة بالذكريات، غارقة في الدموع.. تشهد الفتح وترى المأساة في آخر فصولها التي سيكررها الزمانُ مرّاتٍ ومرّات..)
- هل قلتَ شيئاً؟
- سأقول، ولكن.. يُسكتني
خَشَبٌ لم يأخذ شكلَ حصانْ
يمشي، يترنَّحُ، يتلوّى
يتساقطُ من فوقِ الجُدرانْ
يمتدُّ ضلوعاً في صدري
ويعلِّمُني معنى الكتمانْ
فرأيتُ الفرصةَ سانحةً
تتثاقلُ في كِفَّةِ ميزانْ
لتخطَّ على كفيَّ لُقىً
قد أكسبُها من دون رهانْ
لكنَّ العِلَّةَ في زمنٍ..
آتٍ، هو لكنْ.. ليسَ الآنْ.
ffnff69@hotmail.com
- الرياض