المشهور استعمال (إلا) في الاستثناء فينصب بعدها المستثنى إن كان الكلام واجبًا (مثبتًا)، قال تعالى «الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ»[ الزخرف-67]، ولكن الاسم قد يأتي بعدها مرفوعًا، وتفسير هذا أن (إلا) استعملت للاستدراك استعمال (لكنْ)؛ ولذلك تستأنف بعدها الجمل فيكون ما بعدها مرفوعًا على الابتداء، وقد يذكر الخبر أو يحذف للعلم به، جاء ذكر رفع الاسم بعد (إلا) في كتاب سيبويه «باب ما يكون مبتدأ بعد إلّا»(1)، وفصل هذه المسألة ابن مالك في كتابه شرح التوضيح والتصحيح، ومن الشواهد التي استشهد بها قراءة قوله تعالى «فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ» [البقرة-249]، قرأها (إلا قليلٌ منهم) أُبيّ والأعمش(2)، قال ابن مالك إن القراء تأولوا هذه القراءة «أي إلّا قليلٌ منهم لم يشربوا»(3)، وجعل ابن مالك من ذلك قراءة ابن كثير وأبي عمرو برفع (امرأتُك) في قوله تعالى «وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ»[ هود-81]، قال»فـ(امرأتُك) مبتدأ، والجملة بعده خبر»(4).
ومن شواهد ذلك قول عبدالله بن أبي قتادة: أحرموا كلهم إلا أبوقتادة لم يحرم. قال ابن مالك»فـ(إلا) بمعنى (لكن)، و(أبوقتادة) مبتدأ، و(لم يحرم) خبره»(5).
وقال ابن مالك»ومن الابتداء بعد (إلا) محذوف الخبر، قول النّبيّ صلى الله عليه وسلّم (ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا اللهُ) أي: لكنِ اللهُ يعلم بأي أرض تموت كل نفس. ومن ذلك قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم (كل أمّتي معافى إلا المجاهرون) أي لكنِ المجاهرون بالمعاصي لا يعافَون»(6)، وجعل ابن مالك من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم «ما للشياطين من سلاح، أبلغ في الصالحين، من النساء، إلا المتزوجون. أولئك المطهرون المبرؤون من الخنا»(7).
ومن الشواهد الشعرية التي يوردها ابن مالك قول الشاعر:
لِدمٍ ضائِعٍ تَغَيَّبَ عَنْهُ***أَقْرَبوهُ إلّا الصّبا والدَّبورُ
أي: لكنْ الصبا والدبورُ لم يتغيبا عنه(8)، ومن ذلك قول أبي ذؤيب الهذلي:
عرَفتُ الدّيارَ كرقمِ الوُحِيّ
َزْبُرُها الكاتبُ الحِمْيَرِيّ
على أَطْرِقا بالياتِ الخيامِ
إلا الثُّمــامُ وإلا العِصيّ
أي: إلا الثمامُ والعصيّ لم تبلَ(9).
وقد ناقش هذه القضية زميلنا أ.د. سلمان القضاة وأورد مذاهب النحويين في تفسير رفع الاسم بعد (إلا) التي تحاول جعلها على بابها أي استثنائية بخلاف قول ابن مالك في شرح التوضيح والتصحيح الذي يجعلها استدراكية مثل (لكنْ)، وانتهى القضاة إلى ترجيح قول ابن مالك(10).
(1) سيبويه، الكتاب، 2: 342.
(2) الزمخشري، الكشاف، تحقيق عبدالموجود ومعوض (مكتبة العبيكان/الرياض،1998)، 1: 475.
(3) ابن مالك، شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح، تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي (دار العروبة/القاهرة، 1957م)، ص43.
(4) ابن مالك، شواهد التوضيح والتصحيح،42.
(5) ابن مالك، شواهد التوضيح والتصحيح،42.
(6) ابن مالك، شواهد التوضيح والتصحيح،43.
(7) ابن مالك، شواهد التوضيح والتصحيح،42.
(8) ابن مالك، شواهد التوضيح والتصحيح،43.
(9) ابن مالك، شواهد التوضيح والتصحيح،44.
(10) سلمان القضاة، القضايا النحوية في مخطوطات وكتب إعراب الحديث النبويّ (دار المتنبي/الأردن،2006م)، ص216.
- الرياض