هل فكرنا يوما أن ننظر في حال الطبيب النفسي قبل أن يوجه إلينا الاتهامات ويدعونا إلى السعادة؟! هل كان لعلمه أثرٌ على نفسه قبل الناس؟ هل نظرنا إلى حال مؤلفي تلك الكتب التي تبدو عناوينها كوصفة سحرية تعلمنا اللغات في غضون أيام, والكتابة الصحفية في ساعات والتحدث البارع في دقيقة؟! هل تأملنا أولئك المؤلفين الذين يريدون أن نصبح مشهورين ولم نعرفهم إلا من خلال تلك الكتب؟!
عبارة غريبة بدأت تتكرر على أسماعنا إن لم ننطقها بعد, وهي أنه «ملعوبٌ علينا» في شتى صنوف الحياة! ابتداء من اللعبة السياسية في قرارات دول العالم وانتهاء ببائع الطماطم والفجل!
كنا نقف عند إعلان قرار ما بالحديث عن القرار وليس عما يدور خلف القرار كما هو الحال الآن, كنا نظن أن دول الغرب تقف وتبكي على الشأن السوري فإذا بروسيا تصبح الأفضل بينهم في اعترافها الصريح بالوقوف مع نظام الأسد, في حين بقين الأخريات يخادعن المجتمع الدولي في نحيبهن على أطفال سوريا اليتامى!
كنا نعتقد خيرا وحسنَ نية في صنف من الناس بدت عليهم آثار الالتزام والمحافظة, فخرجوا على الدولة شاهرين أسلحتهم وإرهابهم!
كنا نرى الأطفال الواقفين بباب الشوارع والإشارات المرورية فنعطيهم شفقة عليهم, وإذ بهم يتبعون لعصابة خطرة تمول بعضها الحركات التمردية في دول مجاورة!
كنا نشتري الطماطم الحمراء الداكنة ونأكلها مسرورين وإذ بها نتاج مجاري المدينة وسقيا صرفها الصحي!
هل أصبحنا لهذه الدرجة من توقف التفكير وجمود الذهن؟! كيف وقد بدونا أضحوكة عند شعوب لا يفوتها شيء من هذا؛ إلا وقد عَرَفَتْ مقاصده وأثره وسببه؟!
لقد أمرنا الله بالتفكر في خلقه حتى نعلم أن هذا النجم هو زينة للسماء وهداية لضال الطريق وخلق عظيم بعيد يدل على مُسَيِّرِ الكون, لا أن نراه كل ليلة ينظر إلينا غاضبا من عدم إلقاء التحية عليه, فيوم من الأيام سوف يشارك هذا النجم في نهاية العالم عندما ينفجر ليؤثر في أخيه النجم الآخر فينفجر هو أيضا حتى ينتهي هذا الكون!
لقد اعتاد الحكماء والمحنكون في صنيعهم أي شيء ألا يظهروا للعامة إلا الوصف العام الذي يدل على خير وعفوية وطيبة هذا الصنيع, دون أن يذكروا ما يثور خلفه من خبايا ومآس واتفاقيات. وتلكم هي عادة الفارس الفطن الذي يعلم أننا الآن نفعل الشيء لا لوسيلته ولكن لغايته, فندرس ليس للتعلم ولكن للوظيفة, ويصوم بعضنا الأيام والليالي ولكن بقصد الريجيم, وربما ذهبنا للمسجد عادة لا عبادة!
هل يمكن لنا إعادة ترتيب أذهاننا وفق ما يقتضيه الواقع من تحليل ونتيجة؟! وكيف سيتغير حالنا إذا ما نظرنا إلى أنفسنا وقد علمنا أن مجملنا يعمل في مجال غير تخصصه, ويدرس في مواد غير ميوله, وربما تزوج أيضا من غير التي يريد؟!
أخيرا علينا إدراك شيء مهم, كوننا لا يجب أن نعرف كل شيء! فالزبادي الذي نأكله عبارة عن بكتيريا, والألماس نوع من الفحم, وعند إجراء عملية لك فأنت تأخذ جرعة من المخدرات حتى تغيب عن الوعي, فهي من النعم العظيمة أن نكون «ملعوبا علينا» في كثير من الأمور.
كاتب وأكاديمي سعودي
asalamri@ksu.edu.sa
الرياض