تلك هي المسألة (!) فنحن نحبُّ جمالَ الأشياء ونكرهُ القبحَ بكلِّ أشيائه المتشكلة من حولنا. والمشكلة أننا نتعب حين نحبّ ونتعب حين يحاصرنا الحبّ ولا نرتاح إلا ببقاء الحب مكان الحلم البعيد أو الذكريات القريبة التي لا يمكن أن تعود..
قلتُ مرةً:
(هي الحياةُ الآنَ أمّي،
والزمانُ أبي.. صرختُ:
لقد وجدتُ الآنَ أهلي.....)
فكيف إذا اختلفتُ مع هؤلاء الأهل وقررتُ الخروج عليهم والرحيل عنهم؟ كيف سأستطيع الانعتاق من طوقٍ يمينه الحياة ويساره الزمان؟؟ سأسعى في الأرض وحول الأرض، أهبط منها قليلاً وأرتفع عنها بعيداً إلى غيمة تنكسر فزعاً من كائن لم يرضَ بمكانه على الأرض، فأيّ شعور بالذنب ستحمله معك أثناء الهبوط إلى بلاد ليست بلادك، أيها الجالس إلى جانبي وكأنك وحدي..؟!
- بماذا تفسّرها الطرقات؟
- كتلكَ الأغاني..
- وأيُّ الدروب أحنُّ علينا
إذا جدَّ جدٌّ، ومالت خُطانا..؟
إذا حان حينٌ، وما ظلَّ في الكفِّ من خطةٍ
نصف خطٍ.. ونصف الدوائر والخاطرات،
وقال المعذّبُ فينا: كفانا..؟
كفانا امتطاء بطون الظلال، كفانا دروباً..
كفانا اقتفاء الحنين الحلال، كفانا قلوباً..
كفانا جيوباً مهيأةً للحياةِ – كأمٍّ
مهيأةً للزمان – أباً
مهيأةً لاقتناص الرفات، كتلك الأغاني..
- بماذا تفسّر هذا؟
- وأنتَ: لماذا..؟
لماذا ستسعى لتفسير هذا؟
دعِ الماءَ للماء، والأرض إن شاءت الأرضُ تبقى
ونحنُ نحبُّ.. ونحيا
نحنُ نحبُّ.. ونبقى
نحنُ نحبُّ.. ونحكي
نحنُ.. الحكاياتُ تُحكى
- وكيف الرواة؟
- كتلك الأغاني، كتلك التي تحيلنا صغاراً كلما خطرت من أمام أعيننا غزالةٌ تفصل بيننا وبينها عقودٌ من الحيوات والموات والمسافات التي لم تجمع بيننا إلا في حلم ورثناه كذكرى، لنتغنى به في تساؤل ظاهره البراءة في نشوةٍ وباطنه الحسرة في شهقةٍ: (هوَّ صحيح الهوى غلاَّب..)؟!
* * *
يقولون: الحزنُ كان في الأصل حُبّاً، ولكنه أصبح الآن عجوزاً محدودب الظهر يتكئ على كتفيْ صبية صغيرة تستحي أن تقول له دعني، ولكنها فرحت حين انتهى زمانه أخيراً وطاح ومات، فانطلقت الفتاة إلى زمانها بحثاً عن الحياة..
ffnff69@hotmail.com
الرياض