من الأهمية بمكان أن تستمر الأصوات الرافضة للوصاية بمختلف صورها المقيتة، التي تفوح روائحها النتنة من أقوال وأفعال المدمنين عليها والمرضى المصابين بداء عشقها، الذين ينتشرون في كلِّ مكان من مجتمعنا للأسف الشديد.
ومن أسوأ صورها أي الوصاية تدخّل بعض المتشددين في ملابس الناس، وإصرارهم على إلزام الإنسان بلبس ما يختارونه له، ومنعه من لبس ما يختاره لنفسه!
ومن أمثلة ذلك مهاجمة فرق هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الحين والآخر المحلات والأسواق التجارية، بحثاً عن العباءات النسائية الملونة والمطرزة والمزخرفة، ويصرُّ كثير من المتفيقهين الذين ناقشتهم في هذا الموضوع على تأييد الهيئة في هذا العمل، بحجة أن اللون الأسود الخالي من الزينة والتلوين والتطريز هو اللون الوحيد الذي يجب أن تكون عليه عباءة المرأة المسلمة!
بحثت في هذا الموضوع فذهلتُ من كثرة الفتاوى التي صدرت من عدد من الوعاظ والدعاة، الذين يحرّمون بيع ولبس تلك العباءات.
تأملتُ في نصوصنا الشرعية، ونقبت فيها بدقة، فلم أجد نصاً واحداً يلزم المرأة المسلمة بلبس هذه العباءة السوداء، بل لم أجد دليلاً واحداً صريحاً يلزمها بلبس العباءة أصلاً؛ بهذه الطريقة المعروفة اليوم في المملكة وغيرها من الدول الإسلامية الأخرى.
ثم تعمقت في الآية التي يستدل بها من يختلف معي في هذا الموضوع، وهي قوله تعالى في سورة الأحزاب: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ)، فوجدت أن معنى الجلباب في لغة العرب هو القميص أو الثوب الواسع الطويل المشتمل على الجسد كله.
كلُّ ما جاء في الإسلام هو الأمر بالستر فقط، فإذا لبست المرأة لباساً ساتراً وغطت شعرها، فقد حصل المراد وتم على أكمل وجه؛ ويحق للمقتنعة بالقول الذي يرى تغطية الوجه تغطية وجهها، رغم أني أراه قولاً مرجوحاً لا يقوم على أدلة صريحة صحيحة لا من النقل ولا من العقل.
أما إلزام النساء بلبس هذه العباءة السوداء بكيفية معينة كما هو الحال في السعودية اليوم، فلا أدري لماذا يصر عليه الكثير من المهووسين بالوصاية، بل لا أدري لماذا يستمر السماح لهم بهذا التدخل السافر في خصوصيات الناس؟!
ما شأنهم بالمرأة التي تلبس لباساً مستتراً محتشماً إذا لم تلبس عباءة، أو لبستها بطريقة تقنعها وتخالف قناعاتهم؟!
إن إجبارَ المصانع والباعة والنساء على لون معين وشكل خاص من العباءات أو بطريقة معينة في لبسها أمرٌ عجيب لا يقوم على دليل نقلي صحيح صريح، ولا على حجة عقلية مقبولة، بل هو في نظري بدعة جديدة محدثة لم تكن موجودة في عصر النبي الكريم وصحابته الأبرار، فلم نسمع أن نساء المسلمين في عصر صدر الإسلام كن يلبسن العباءات السوداء التي توضع على الرأس بهذه الطريقة المعروفة اليوم في بلادنا.
البسي ما تريدين والبس ما تريد؛ ولكن لا تتدخل في ملابس الآخرين، بل لا تتدخل في أيِّ شيء من أمورهم الخاصة بهم.
أخبرني أحد العاملين في الأسواق أن الهيئة ترسل إلى المحلات المختصة ببيع الملابس النسائية تعليمات متكررة تنص على منع بيع عباءات معينة، وأنها أي الهيئة تقوم بتحريز ومصادرة العباءات المخالفة للمواصفات التي تريد من المحلات؛ بالإضافة إلى أخذ التعهدات على العاملين فيها أو المسؤولين عنها بعدم تفصيلها أو بيعها، ويتم منحهم مهلة معينة للتقيد بذلك، وتكرر الهيئة زيارة تلك المحلات والتأكد من مدى التزامها بالتعليمات السابقة بشكل متتابع ومزعج للتجار والمتسوقين على حدٍ سواء.
وأحب أن أشير في الختام إلى أن حديثي عن ممارسة الهيئة الوصاية على العباءات النسائية لا يعني أنها لا تمارس الوصاية على غيرها من الملابس، فقد شاهدتُ بأم عيني وسمعت كثيراً عن تدخل بعض أعضاء الهيئات في ملابس الرجال أيضاً، بل ثبت لدي أنهم يأخذون التعهدات على الشباب الذين يلبسون ما لا يعجبهم، بل يقتادون بعضهم في كثير من الأحيان إلى مراكز الهيئة والشرطة لمحاسبتهم على هذه الملابس.
إن ما تقوم به الهيئة في هذا الموضوع وغيره من الموضوعات المشابهة وصاية متكلفة مرفوضة، فلكل رجل الحق في لبس ما يشاء، ولكل امرأة الحق في لبس ما تشاء، ولكل أب أو أم اختيار الألوان والأشكال التي يريدونها لبناتهم وأبنائهم الصغار، وليس من حق أحد في هذا الوطن الإنكار على أي امرأة مسلمة أو غير مسلمة في لباسها، ما لم يكن كاشفاً لما لا يجوز كشفه بإجماع علماء الإسلام، لا برأي فئة منهم.
وقبل أن يهاجمني أحد أقول: اكتبوا في «جوجل» أو في غيره من محركات البحث (الهيئة والعباءات النسائية)، واقرؤوا النتائج واحكموا عليها بعقل وعدل وإنصاف.
الرياض