لا شك أن في إقامة المعارض الجماعية، ما يكشف لدى المشاركين الكثير من الأمور المتعلقة بالأساليب وسبل التعبير ومعرفة الجديد في جانب الخامات، أو كيفية توظيف الوسائط إلى آخر المنظومة، إضافة إلى معرفة ما تحقق لكل فنان من نتائج في تجاربهم وإمكانية الحوار حولها، لكن الأمر لم يعد كما توقعناه في المعارض الجماعية التي مرت خلال هذا الموسم الذي أشرف على الانتهاء، حيث التكرار وعرض للقديم، وبقاء بعض التجارب على حالها، وتحرك لتجارب أخرى بشكل سريع، أحدث قطع وبتر بين ما كنا نعرفه سابقا عن الفنان وما يقدمه في حضوره الجديد، بأعمال لا يمكن أن تنسب إليه، أو أن نجد فيها رابط أو روح ورائحة أو كما يقال (النفس) (كما هو في الطبخ) من أعماله السابقة، فالفنان المتميز والناجح والمحقق لأكبر قدر من تأكيد تجربته، يبقي معه الكثير من الملامح، كالمجموعة اللونية أو إيقاعه الخطي أو تكوينه العام، مهما تعددت الأساليب أو الأدوات.
ضحالة الثقافة والاطلاع
من يزور المعارض المتعددة والمتفرقة على مستوى المناطق، يمكنه أن يشاهد الكثير من الأعمال المتشابهة وكأن رساميها أو منفذيها يعملون في مرسم واحد، وهذا بالطبع يحمل رأيين أحدهما مؤيد، والآخر لا يقبل مثل هذا التصرف ويدرجه ضمن الاتهام بالاستنساخ، وإذا عدنا للرأي الأول المؤيد، ففي رؤيته لهذا التشابه أو التقليد أو التكرار ما يعني إيجاد صفة عامة تمثل أسلوبا عاما للفن لمحلي كما هي في بعض المواقع العالمية أو العربية، منها الفن الصيني أو المكسيكي أو حتى العراقي أو السوداني خصوصا من يتبع مدرسة الخرطوم كما يطلق عليها بعض النقاد والتشكيليين هناك، نتيجة لقيام نخبة كبيرة من التشكيليين هناك باتباع أسلوب واحد مع تبدل الفكرة والتكنيك.
ومع أننا نؤمل في أن يكون لنا بصمة إلا أن في مثل هذا التكرار في معارضنا ناتج عن عدم قدرة أولئك المقلدين لغيرهم على إيجاد أسلوب أو بصمة خاصة بهم.
تبعية لريموت التحكيم
والحقيقة أن المتابعين والباحثين في مسيرة الفنون التشكيلية السعودية، توصلوا إلى أن هناك مؤثرات ومسببات لتكرار الأساليب وتشابه سبل التنفيذ، عودا إلى تبعية تأثير نتائج التحكيم ومحاولة تصيد رغبات أولئك المحكمين بناء على الأعمال التي تمنح الجوائز، وماذا تحمل من مضمون أو توجه أو كيفية تنفيذ، إضافة إلى قصر نظر العديد من الشباب وقلة معرفتهم بسبل الاطلاع المختلفة، والمتاحة حاليا من خلال التواصل مع الفنانين العرب، بالتعرف على تجاربهم، وكيف وظفوها بحداثة ومهارة، مع تجارب الفن الجديدة والحديثة التي تغزو العالم، فبقوا في دائرة الإصدارات الخاصة بالمعارض المحلية أو خلال زيارتهم للمعارض.
ملل وعدم ثقة وإحباط
أما الجانب الآخر فهو في تكرار عرض الأعمال القديمة، أو تنقل أعمال الفنانين في أكثر من معرض عوداً إلى الإحباط الذي أصابهم نتيجة عدم وجود معارض ديناميكية الحركة، وقاعات عرض لا تقبل إلا الجديد الجيد، فوجدوا في مثل هذه المشاركات المتكررة تسجيلا للحضور الإعلامي و(الاجتماعي) التشكيلي، إضافة إلى تردي فرص المشاركات الخارجية واعتمادها على أسماء وأعمال غالبيتها حطب ليل.
معارض مع رجع الصدى
أما الأهم في هذا المشوار الذي أصبح عمره أكبر من نتائجه الإيجابية، فهو في كيفية دراسة الأخطاء، وإعادة تنظيم وترتيب الساحة بالشكل الذي يكفل ما يطمح إليه الفنانون، من حضور جماهيري مثقف يعي هذا الفن ويبحث عن الجديد فيه إضافة إلى تسويق نشط يضمن الفنان من خلالها دخلا يغطي أتعابه ويقدر فيه قيمة الإبداع.
هذه الأمور في سوء النتائج من خلال رجع صدى الأنشطة التشكيلية كشفت لنا مدى تراجع الاهتمام بهذا الفن أحيانا وانعدام وعي الفئة المستهدفة به (من مثقفين أو مقتنين) بأي شيء عنه أحيانا أكثر، أو بما صدموا به من معارض لا تتجاوز مستوياتها أي عمل نفذ في مرسم مدرسي، أو ورشة للموهوبين، ولو عدنا لتفحص جسد الفن التشكيلي، ومحاولة علاج ما أصابه فسنحتاج إلى فترة طويلة، والى شجاعة كبيرة في جانب إعداد المعارض وتصنيفها، لعزل الأعمال التي لم تصل إلى مرحلة النضج، عن التي مر أصحابها بتجارب ومحاولات جادة إلى أن تحقق لهم أن يوصفوا بالفنانين عن جدارة، ووضع نظام جاد من قبل وزارة الثقافة والإعلام لصالات العرض حتى لا تصبح مصدر إساءة وتشويه للفن بما تقوم به من عرض لأعمال لا تمثل الفن الحقيقي في الساحة لمجرد الكسب وأن تترك تلك الأعمال لمحلات الإكسسوارات التي تغص بها اللوحات الصينية وغيرها من المستورد.
صدمة تحتاج إلى تأهيل
ومن مسببات تدني حال الساحة التشكيلية انتشار ظاهرة الورش التي يتم فيها تدريب الراغبين في تعلم الفن التشكيلي منهم الموهوبين ومنهم من يحاول الدخول في هذا العالم عودا إلى معرفة مبنية على مشاهدات سابقة لأعمال توصف بال(الشخبطة).
monif@hotmail.com