في مقابلة مختصرة مع المخرج والكاتب الأمريكي المعروف «مايكل مور» عن توقعاته عمن سيكون رئيس أمريكا القادم.. كان جوابه مفاجئاً.
فهو رغم حماسه الشديد لأوباما.. ورغم نقده الشديد للجمهوريين وحزب الشاي..
بل ونقده للرأسمالية كنظام في فيلمه الوثائقي «الرأسمالية/ Capitalism» يتوقع فوز المرشح الجمهوري «ميت رومني» ببساطة لأن رومني خلفه المال..
والذي يفوز في الانتخابات الأمريكية دائماً هو المال الذي يصنع الإعلام والسياسة..
لذلك يرى مور أن علينا من الآن أن نعتاد على أن صيغة «الرئيس رومني» فالفوز في الانتخابات الرئاسية سيكون من حظ الذي يصطف معه المال والشركات الكبيرة المسيطرة.
الذي يصنع الرئيس حسب مايكل مور هو رأس المال الذي تحدث عنها كثيراً.. والشركات التي تدير الإعلام وتدير أحزاب الضغط وتموّل حملات المرشحين السياسية لتبتزه فيما بعد..
وتجعله في صفها وفي خدمتها وخدمة مشاريعها التجارية المادية التي قد تكون لخدمة الناس والشعب الأمريكي وقد لا تكون لخدمته أصلاً..
فبالتالي مهما قدم المرشح من برامج ومهما حمل من شهادات ومهما كانت كفاءته وانتماؤه السياسي ومحافظته أو ليبراليته..
الذي يصنع الرئيس هي شركات النفط والدواء والسيارات والإعلام والتقنية..
حتى تغولت هذه الشركات على قطاعات الدولة وكبلت رؤساء كثيرين عن منع الاحتكار أو محاسبة هذه الشركات الكبار عن المراهنات الاقتصادية والتجارية..
وهي التي منعت رؤساء كثيرين من فرض قوانين اقتصادية إصلاحية وفرض نوع من المراقبة للسوق، لأن ذلك حسب الشركات يحد من حرية السوق التي هي من مقدسات السياسة الأمريكية..
وهكذا «حرية» السوق هذه استعبدت الشركات الأصغر والتجار الأقل نفوذاً ليكونوا هم الأقل تضرراً والأكثر معاناة في وجود حرية كبيرة تتيح للقروش الضخمة التهام كل الحيتان الأصغر وتسمح للسفن الكبار أن تكسر القوارب الصغيرة..
وحين تمر العواصف البحرية فإن التي تتضرر وتنكسر وتكون عرضة للتلف والاضطراب والانهيار هي تلك القوارب الصغيرة التي ليس لديها الثقل الكافي للتوازن..
حرية السوق هذه جعلت انعدام القوانين التجارية «deregulation» سمة أمريكية لدرجة أن المتسببين في الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت في وول ستريت لم يتم رفع أصبع الاتهام ضدهم أو محاسبتهم من المصرفيين الكبار والبنوك الضخمة التي رغم أنها سببت الانهيارات الضخمة إلا أن مديريها ومستثمريها الكبار لم يخسروا الكثير..
بل كانوا مع كل أزمة يستثمرون الحدث لصناعة المزيد من الاحتكارات التجارية والتضييق على كل الصغار والأقل ثقلاً.
هذه الشركات والمصارف الكبيرة.. أتاح لها القانون الأمريكي وحتى المحكمة العليا الأمريكية حق ممارسة السياسة باعتبارها «شخصيات اعتبارية» فيحق لها دعم مرشحين أو الضغط على آخرين أو التحالف..إلخ، ورغم أن حكم المحكمة كان عميقاً مؤثراً إلا أن ضرره في تقديري سيكون كبيراً على المستقبل الأمريكي حيث سوف تزداد هذه الشركات تغولاً وضخامة وتحكماً في السياسة الأمريكية وتأثيراً في الرأي العام..
فمن سيظهر في الإعلانات أكثر ويقول رأيه أكثر وتتيح له وسائل الأعلام ظهوراً أكثر وقنوات اليوتيوب..
فسوف يكون هو الأكثر حضوراً والأكثر حظاً بالفوز سياسياً عبر تأثر الناس به واقتناعهم بقوته وحضوره.
أفلامٌ كثيرة تحدثت عن دور المال في السياسة وأن نجاح المرشح سياسياً يكون في الغالب بسبب المال آخرها فيلم «الحملة/campaign» الذي يتحدث عن رعاية تجار لمرشح معين ليس لأجل مؤهلاته فهو إلى الحمق أقرب ولكن لأجل أنه الرجل الأفضل الذي سيتيح المجال لمشاريعهم التي قد لا تكون لخدمة البلد ولكن لخدمة تجارتهم ورؤوس أموالهم..
وأن هؤلاء التجار أنفسهم في اللحظات الأخيرة قبل التصويت وحين لاحظوا أن هذا الرجل الذي دعموه قد لا يستجيب لمشاريعهم مارسوا حملة مضادة وفي كل الحالتين تبين في قياس الرأي العام نجاحهم أي نجاح حملاتهم لأي مرشح يدعمونه.. حتى فاز مرشحهم الأخير..
المهم أن هذا هو دور المال ورجال الأعمال والشركات الكبيرة في السياسة الأمريكية.
بعد كل هذا الدور الذي يلعبه المال ورجال الأعمال والشركات في السياسة الأمريكية وفي تأثير أحزاب الضغط: من الأكثر حظاً في أن يكون الفائز في انتخابات الرئاسة الأمريكية القادم في السادس من نوفمبر لعام 2012م؟ هل هو ميت رومني المرشح الجمهوري.. أم باراك أوباما المرشح الديمقراطي؟ رغم الإحباط الذي أصاب شريحة واسعة ممن صوتت لأوباما والتي لم تجد فيه الاختلاف الجذري في حل مواضيع البطالة والاقتصاد والمشاكل داخل أمريكا.. إلا أنه إلى وقت قريب يبدو أكثر تفوقاً في اختبارات قياس الرأي العام.. لكن بعد تحالف رومني وهو رجل الأعمال الكبير مع العديد من رجال الأعمال ودعم الحزب الجمهوري له رسمياً وضخ الأموال الهائلة لحملته مؤخراً قد يكون ذلك باعثاً للاعتقاد بصعود رومني.. لكن الانتخابات دائماً حبلى بكل جديد.. وبعض الأمريكيين الذي أقابل في الحياة العامة.. يكون جوابهم التقليدي عن سؤالي «لمن سيصوتون».. بأنهم لا يختارون بين الجيد والسيئ.. بل بين الشرير والأقل شراً..!
abdalodah@gmail.com
أميركا