عند ما كان طيّب الذكر عبد الوهاب البياتي على قيد الحياة، كان محل إعجاب الكثيرين ممن لا يفرقون بين ما ينفع الناس وما يذهب جفاء، حتى إذا مات انطفأ ذكره منذ الشهور الأولى لرحيله، حد أنّا لم نعد نذكره، ولو لا أني عدت إلى مكتبتي لأتأكد من اسمه الأول لاكتفيت بذكر لقبه فحسب.. ما علينا .. فقد أردت من هذه التوطئة أن أقول إنّ إعجاب صديقي الدكتور عبد الله با شراحيل ـ الذي شرفني يوماً بدعوة كريمة لزيارته في دارته العامرة بعوالي أم القرى برفقة أعضاء مجلس إدارة نادي الباحة الأدبي قبل أن أطرد منه بقرار وزير الثقافة والإعلام الحالي ـ بشاعرية أدونيس في غير محلها ما دام إنها من لدن رجل مكي وموهوب في ميدان الأدب شعراً ونثراً، حيث تحدث عنه بشيء من التمجيد عند ما قارن بينه وبين محمود درويش، ليس لأنّ سفيان زدادفة ـ الناقد الجزائري ـ قد عراه من خلال كتابه «الحقيقة والسراب» فحسب، وإنما لأنّ أدونيس قد اختط لذاته نهجاً غريباً حد التطرُّف، بدأه بتغيير اسمه إلى أدونيس، وواصل خروجه على كل ما هو مألوف بالتجديف ضد التيار، ومارس ما يمكن تسميته باللا اكتراث بتعاليم الدين الحنيف في إطار من المجاهرة بالآراء التي تؤثر على بعض من يسمون بـ «الليبراليين»، مصنفاً ذاته على أنه المنقذ الأكبر للجيل العربي الحديث حتى لا يستمر - من وجهة نظره - مرتهناً لتراثه والسباحة في محيطه الذي لا يرفض التجديد المنطقي وإنما يرفض المتهوّر منه، ومن خلال تأمّل تلاميذ المدرسة الحداثية الذين رحل الكثيرون منهم من غير أن نجد أحداً يذكرهم بعد رحيلهم، كما أشرت في مدخل هذا المقال، أشير هنا إلى أنّ أدونيس سوف يلقى ما لقيه أولئك من نسيان لم يحدث لفرسان الشعر العربي الأصيل الذين مضى على رحيلهم آماد طويلة، وهم يحتلون الذاكرة بقوة، وكأنهم لا يزالون على قيد الحياة، حتى أنّ المقارنة بينهم وبين أدونيس ورهطه لا تصح إلاّ إذا قارنا بين السيف والعصا!! وإذا كانت العرب قد قالت يوماً أنه «لا يصح إلاّ الصحيح» فحري بنا أن نختصر الطريق في رؤيتنا وتقويمنا للأمور وبخاصة ما يتعلق بالأدب والفكر والثقافة باعتبارها وسائل قادرة على رفع مستوى الأمة إلى أوج الرقي أو الهبوط بها إلى «قرن الثور» - كما يقول الجنوبيون - وهم يقصدون الثور الذي تقول الأساطير أنه يحمل الكرة الأرضية على أحد قرنيه.. فهل من مدّكر؟!
ويبقى الشعر:
لا تجرحي كبريــائي وقدّري لي وفـائي
أنا الذي ذاب وجــدا في شعرك الكستنائي
هل كنـتُ إلا حبيبــا لا يستطيع التنائي
ولي فــــؤاد عليــل أضناه طول الجفاء
يا أجمل الناس خلْقـا أنـت دوائي ودائي
- الباحة