لا يقوم المتلقي في الأدب التقليدي بدور (شريك المؤلف)، وعكس هذا نجده في الأدب الرقمي التفاعلي (النص المتشعب) إذ يصيرالمتلقي (شريك المؤلف)، لكن لنتساءل بإلحاح مع النقد مرة أخرى: أين المؤلف؟ سؤال يدعونا إلى إعادة تأسيس العلاقة الثلاثية بين الإبداع الفني والمؤلف والمتلقي.
إن هذه المفاهيم الثلاثة هي نفسها بدلالاتها الكلاسيكية تصير متجاوزة من وجهة نظر التفاعلية التي تلغي الحدود المنتصبة بين عناصر الثالوث السالف الذكر، كما أنها تغير بين وضعيات الوظائف وأساليب خصوصيتها. إنها تجعلها شفافة فيما بينها أو بتعبير آخر إنها تهجنها، من هنا نستنتج أن مهمة الوسيط التي يقوم بها النقد الرقمي في إطار الحداثة تصبح عديمة الفعالية. هذا التواطؤ بين المتلقي والفنان المؤلف وانسجامهما التفاعلي في الإبداع الرقمي يروم بالأساس إلغاء الفارق التقليدي بين إبداعات الطليعية القديمة وإبداعات التنوع الجديدة.
إن الفنّ الرقمي لم يعد ينتظر إيحاءات أو تعليقات أو تأويلات أو حكماً من طرف آخر لكي يحقق معناه لأن الإبداع التفاعلي كما سبق ورأينا لا يحقق معناه وروحه إلا إذا استطاع المتلقي أن يسهم في خلقه.
لذا لم تعد فكرة (ريادة) المؤلف للإبداع الرقمي وتقدمه طليعياً على مستوى الخلق فكرة ناجعة ومقبولة بالرغم من كونها لا تزال تحقق تأثيرها، إنهما معاً - المؤلف والمتلقي - يعيشان في زمن واحد وليس في زمنين، إنه الزمن الواقعي، الزمن الواقعي الذي لا يتوقف ولا ينتظر أحداً.
إدمون كوشو- ترجمة عبده حقي