تشرفت بحضور فعاليات مهرجان الجنادرية هذا العام 1433هـ، بعد دعوة كريمة من رئاسة الحرس الوطني. والحقيقة أنني سعدت وفرحت في هذا العام بالاستفادة من نشاطات المهرجان الثقافية والفكرية. ولكن ما زال هناك من المثقفين والمفكرين الذين يحضروا منذ 27 عاماً ولم يضيفوا أي شيء للجنادرية مثل الأساتذة جهاد الخازن وعرفان نظام الدين والدكتور حسن العلوي من العراق وغيرهم. والحقيقة وللتاريخ لابد من القول أن معالي الشيخ عبدالعزيز التويجري - أسكنه الله الجنة - كان صاحب رؤية مستقبلية صافية حين اقترح فكرة هذا المهرجان على خادم الحرمين الشريفين الملك الصالح عبدالله بن عبدالعزيز - عندما كان ولياً للعهد - وتاريخ بلادنا الفكري والثقافي سيذكر التويجري بمشهد نصي راقٍ ومميز لخدمة الوطن في هذه الجوانب المهمة من تاريخ الأمم والدول. والفكر والثقافة والأدب والصحافة هي الباقية في عصارة التاريخ وتفاعلاته.
ورغم أنني اختلفت معه في بعض القضايا الحساسة والمهمة ولكنه - رحمه الله - كان كبيراً ورائعاً ورحباً الصدر، فقبل مني كل نقاشاتي وحواراتي وغضبي. ومنها خلافي معه على دعوة بعض المثقفين والمفكرين والكتاب العرب وغيرهم الذين اشتهروا بعداوات وخصومات ومواقف سلبية ضد بلادنا. فقال: لي كلمة لا يمكن لي أن أنساها: يا ابني هذا المهرجان من أهدافه الصريحة أننا نعمل وننسق لتصحيح مفاهيم وأفكار أولئك الذين ذكرتهم وغيرهم نحو حقيقة ووضع بلادنا. والنتيجة سوف تجدها بعد سنوات من الآن. وأصررت على موقفي في هذا الجانب وناقشته في بعض لقائاتي في القنوات الفضائية ومقالاتي الصحفية وبيني وبينه عدة خطابات في هذا الجانب. والغريب أن الكثير من الكتاب والمثقفين كانوا مؤيدين لي في طرحي ولكنهم كانوا مجاملين لكبيرنا الشيخ التويجري. وأخيراً جاء الدكتور محمد جابر الأنصاري المفكر والأكاديمي البحريني ليكتب ذلك في مقال له نشر بجريدة الحياة بعددها (17842) يوم الخميس 17-3-1433هـ. وتحت عنوان - في البدء كانت الجنادرية، ذكر فيه التالي: ((وكان «مهندس» تلك الندوات الفكرية -بإشراف الملك عبدالله -ذلك المفكر الهادئ المرحوم عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري، العارف بخصوصيات المجتمع السعودي وبأدق دقائقه، الذي فقدناه في زمن نحن أحوج ما نكون إليه، ولكن «دافع الإصلاح» الذي خلّفه في مجتمعه كان التعويض الحقيقي عن رحيله.
أستنّ التويجري، رحمه الله، عادة حميدة تتمثل في زيارة المدعوين المشاركين في ندوات «الجنادرية» في الفندق الذي يقيمون فيه قبل بدئها، وكان يفتح صدره معهم لأي سؤال أو حوار بشأنها. وأذكر أني قلت له ذات سنة أمام الحاضرين إن السعودية لم يتوفر لها -بعد -راصد موضوعي يقرر الحقيقة بشأنها، والذين يكتبون عنها إما أنَّهم مدفوعون بعامل الطمع، فينافقون، مبالغةً في المديح لينالوا ما يطمحون إليه، وإما أنهم مدفوعون بعامل الحقد فيسرفون في الهجوم والنقد، من دون حق، لكي ينالوا، بهذا الأسلوب ما يصبون إليه. هكذا نفتقد الباحث الموضوعي الذي يقرر الحقيقة من دون إفراط أو تفريط، وما زالت هذه الظاهرة قائمة للأسف، وأذكر أن التويجري استمع إلى رأيي بهدوء، حريصاً على أن أتحدث بما شاء، ثم انتقل إلى موضوع آخر مع ضيوفه الكثر)).
ثم يكتب أخي الأستاذ محمد رضا نصر الله في زاويته أصوات والتي نشرت بجريدة الرياض يوم 21-11-1415هـ، وتحت عنوان - الجنادرية وحرية المثقف العربي. كتب يقول: ((هذه هي سمة الجنادرية الأساسية إتاحة الفرصة للمثقف والأديب العربي للتعبير عن أفكاره بحرية دون مصادرة أيديولوجية أو تعسف حزبي.... ولأن مهرجان الجنادرية يخلو من المزايدات التي طحنت المثقف العربي طحناً، وداسته تحت عجلاتها الأيديولوجية والحزبية والفئوية، فإن المثقف العربي في كل مكان أصبح ينتظر لقاء الجنادرية السنوي بعارم الشوق، فمرة لأنه يحرر من التبعية الحزبية والقسر الأيديولوجي، وأخرى لأنه يتيح له اللقاء بأصدقاء روح وزملاء حرف غداً لا يراهم إلا فوق ثرى الجنادرية الصحراوي! خاصة وأن معظم هؤلاء صار يقطن ديار الغرب بعدما طفح به الكيل في ديار العرب!. وثالثة فإن بعض هؤلاء الأدباء والمثقفين العرب يجيئون إلينا ليتأكدوا هل وراء أكمة التنمية المادية في بلادنا تطور اجتماعي ونمو عقلي يسند النمو المادي؟!! وفي هذه النقطة اندلع حوار وسال حبر رسمنا بدواً بلا ثقافة وصحراء بلا أبعاد ونفطاً بلا إنسان، هذه الصور الاختزالية صاغتها أجهزة الإعلام الغربية عن مجتمعنا السعودي، وتلقفها بعض مثقفينا العرب بلا تدقيق ولا تمحيص فراح يكرر ما يسمعه في الإعلام الأجنبي ويقرأه في الصحافة الغربية، دون أن يكلف نفسه عناء خفيفاً في البحث عن حقيقتنا، فنحن مجتمع مكشوف لا غموض فيه، بل إن تكويننا الصحراوي جلنا واضحي المضامين والقسمات. صحيح إن الكثيرين كانوا وما يزالون يلوموننا وإعلامنا وأجهزة تعليمنا وثقافتنا على بلورة هذه الصورة، ولا شك فإن هذه الأجهزة تتحمل المسئولية في ذلك بدليل أن ما يتيحه مهرجان الجنادرية من فرصة سنوية لاقتحام مجتمعنا بهذا الكم الزاخر من المثقفين والأدباء والمبدعين العرب، ساهم في حدوث تأثيرين مركبين:
أولهما: اتصالنا مباشر بخبرات وتجارب وأفكار من يأتي إلينا، وثانيهما: اكتشاف من نقرأ لهم أن القارئ السعودي هو نمط متميز في متابعة أحدث الإصدارات الإبداعية والطروحات الفكرية، وهنا أتذكر قبل سنوات حين جاءنا صديقنا المفكر المغربي محمد عابد الجابري وهو مشحون الرأس بتلك الأفكار الجاهزة عن مجتمعنا وثقافتنا، أتذكر كيف كان انبهاره كبيراً وهو يرى طلاب وطالبات الجامعات السعودية يناقشونه في ما كتبه من مشروع فكري حول بنية العقل العربي، ولم تكن المناقشة في العناوين ورؤوس القضايا وإنما في التفاصيل وتفاصيل التفاصيل، غير أن هذا وغيره كأنه لم يقنع مفكرنا الكبير عندما حدثت فتنة الخليج فراح يغالط، إذ غلبته نزعته الأيديولوجية وممالاة الشارع ونفاق الجماهير على مباشرة الحدث برؤية عقلية رؤى عادل لا يجور ولا يظلم)). انتهى نص نصر الله.
بيد أنه لي بعض الملاحظات والأفكار المهمة يرافقها مقترحات أزعم أنها سوف تفيد هذا الملتقى العالمي وتضيف نجاحات إليه والتي منها:
1 - هناك تقصير واضح من الإعلام المكتوب يتمثل في عدة أشكال منها عدم حضور رؤساء تحرير الصحف والمجلات السعودية، لأن مثل هذه المناسبة لا بد للإعلام السعودي وبمختلف أجهزته ووسائله أن يستفيد منها استفادة كبيرة مثل الاستفادة من العقول التي حضرت للمشاركة في معرفة رأيها في الكثير من القضايا الإقليمية والعالمية وإجراء لقاءات معها.
2- أرى ضرورة نقل بعض الفعاليات أو كثيرها إلى كل المدن السعودية بحيث في كل عام يتم اختيار مدينة لزيارة الوفود لها والاطلاع على ما بها من منجزات حضارية وآثار ومعالم تستحق التوقف عندها وهذا التفكير يضيف نجاحاً للجنادرية.
3- كنت أتمنى على القائمين على إدارة مهرجان الجنادرية تنظيم القيام بجولات استطلاعية على معالم مدينة الرياض وبخاصة مؤسساته التعليمية والتربوية والثقافية مثل: جامعة الملك سعود والاطلاع على تميزها وتفردها العالمي في كثير من العلوم والمجالات، وجامعة الأميرة نورا ومكتبة الملك عبدالعزيز العامة وغيرها، ليطلع ضيوف الجنادرية على ما لدينا من تقدم وتطور في مختلف المجالات.
4- أتمنى في الأعوام القادمة أن تقوم إدارة المهرجان بتجهيز حقائب تضع بها بعض مؤلفات وإنتاج الكتاب والمفكرين والأدباء والشعراء السعوديين ليطلعوا عليها عند عودتهم لبلادهم. فمثل هذه الهدايا هي التي ترسخ في الذاكرة ويعتز بها المثقفون.
5- كما أتمنى من القائمين على إدارة المهرجان أن يفكروا في مقترحي هذا وهو تغير نوع المدعوين لحضور الجنادرية، وذلك بدعوة عشرة مثقفين ومفكرين وكتاب من دول الغرب مثل: الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا والسويد وسويسرا وهولندا وغيرها، وعشرة مثقفين من الصين وعشرة من كوريا واستراليا والبرازيل والارجنتين وفنزويلا ومن كل دول العالم. بحيث يطلع من في تلك الدول على ما لدينا من حضارة وتقدم ويسمعوا ما لدينا ونسمع ما لديهم. وهذا التلاقح الفكري والثقافي بيننا وبينهم يؤدي إلى توضيح صورة بلادنا الحقيقية، ويتعرفون عن قرب عما لدينا من قضايا ورؤى للمستقبل.
6- كما أقترح بإلحاح شديد على ضرورة طباعة بحوث وأوراق ودراسات الجنادرية وتوزيعها على المثقفين والكتاب وغيرهم، وتزويد المكتبات الجامعية والعامة بها. وبخاصة أن في هذا العام ألقيت أوراق وبحوث رائعة وحيدة وممتازة ومفيدة في موضوعات وقضايا حيوية وحساسة للغاية مثل:
المثقف العربي والمتغيرات السياسية، جدلية العلاقة بين السلطة والمثقف في العالم العربي، والمثقف العربي والمتغيرات السياسية المثقف العربي، والمتغيرات والعلاقة السعودية الكورية وآفاق المستقبل، ورؤية خادم الحرمين الشريفين في الاطلاع المالي والإداري ومحاربة الفساد، والعرب والقوى الإقليمية العرب وإيران، محددات لا علاقة ومستقبلها والعرب والقوى الإقليمية العرب وإيران، فرص الشراكة والتعاون، والعرب والقوى الإقليمية العرب وتركيا.. الأمن الإقليمي، والعرب والقوى الإقليمية العرب وتركيا العلاقات السياسية والاقتصادية، والعرب والقوى الإقليمية العرب وأفريقيا والوجود الإسرائيلي، والعرب والقوى الإقليمية العرب وأفريقيا والعمق الإستراتيجي. وقضايا المجتمع السعودي المرأة. وإشكالية المشاركة الوطنية الفعالة، وقضايا المجتمع السعودي الشباب طموحات وتطلعات ومعوقات، والإعلام التفاعلي والشباب والمتغيرات الجيل الإعلامي التفاعلي والمجتمع.
7- من الأمور المزعجة والمقلقة للضيوف والمسئولين في رئاسة الحرس الوطني أن موقع سكن معظم ضيوف الجنادرية في فندق الماريوت وموقع إقامة وتنفيذ فعاليات الأنشطة الثقافية في موقع آخر بعيد عن مقر السكن والانتقال من موقع لآخر في الرياض يأخذ الوقت الطويل ويجهد الضيوف ويتم تأخير أكثرهم أو عدم حضورهم بسبب المشقة وبعضهم كبار في السن. فالحل في نظري في توحيد مقر السكن وتنفيذ فعاليات المهرجان وبخاصة أن فندق الماريوت لديه صالة مكارم كبيرة ويمكن تنفيذ الأنشطة بها، يضاف لذلك أن الفندق قد أقام مبنى جديداً ومجاوراً للفنادق القديمة، فهذا يوفر على الحرس الكثير من الأموال، لأن الضيوف سوف ينتقلون من موقع السكن إلى مقر الأنشطة على أقدامهم. فأرجو من المسئولين بالحرس الوطني دراسة مقترحي هذا والذي آمل من يحقق أهدافهم.
8- طباعة وتقديم وثيقة مشاركة تطبع طباعة فاخرة تمنح لكل من حضر مهرجان الجنادرية لأن الأجانب من المفكرين والمثقفين والكتاب والشعراء والأدباء يعتزون بمثل هذه الرمزيات.
والله يسترنا فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض، وساعة العرض، وأثناء العرض.
Zkutbi@hotmail.com
twitter: Drzkutbi
الرياض