ليس هناك في أن حركة البحث العلمي في أي مجتمع يعكس اهتماماته وثقافاته ووعيه بأهمية البحوث العلمية ومدى إسهامها في تشكيل الحركة الثقافية والعلمية، وليس المقصود بالبحث العلمي – هنا – هو عملية إنتاج البحوث فحسب، وإنما تكمن أهميتها في نشرها والاطلاع عليها والإفادة منها بشكل إيجابي، فكثيرة هي البحوث التي أنجزت من اصحابها في فترات سابقة، ولكنها لم تحظَ بالنشر فظلت حبيسة على رفوف المكتبات أو أدراج المكاتب لا يتم الاستفادة منها إلا بشكل جزئي ومحدود.
وقد اتجهت الجامعات السعودية في الفترة الأخيرة بإنشاء وحدات مستقلة في عمادات البحث العلمي، تعنى بدعم بحوث أعضاء هيئة التدريس في مختلف التخصصات، وقد رصدت لهذا الدعم ميزانيات مالية كبيرة تعكس مدى اهتمام القائمين على الجامعات بأهمية هذه الخطوة.
واهتمت عمادات البحث العلمي أيضًا بتشكيل مجموعات بحثية مختلفة لزيادة التواصل العلمي بين أبناء الجامعة الواحدة والجامعات الأخرى في المملكة وخارجها.
وقد شرفت في الأيام السابقة بزيارة عمادة البحث العلمي بجامعة تبوك والتقيت عميدها النشيط الدكتور/ فهد اللهيبي، وأطلعني على بعض نشاطات العمادة، والأمر الذي استرعى انتباهي ويستحق التنويه به هنا هو أن عمادة البحث العلمي في جامعة تبوك لم يتجاوز عمرها السنوات الأربع، ومع ذلك فهي تقف متوازية مع الجامعات الأخرى التي تسبقها في المرحلة العمرية، وقد اهتمت عمادة البحث العلمي بجامعة تبوك بالبحث العلمي بشكل لافت للنظر، حيث دعمت منذ إنشائها أكثر من مائة وخمسين بحثًا في مختلف التخصصات العلمية بتكلفة مالية بلغت أكثر من عشرة ملايين ريال سعودي، وهذا الكم من البحوث المدعومة يعد مقبولا جدا إذا وزع على السنوات الثلاث – التي دعمت فيها البحوث- أي بواقع (50) بحثا للعام الواحد، ومن المتوقع أن تكون هناك زيادة ملحوظة في البحوث المدعومة للعام الجديد.
إضافة إلى ذلك الجهد الطيب من دعم البحوث الممولة فإن العمادة قد استحدثت برنامجًا آخر يسهم في تشجيع البحث العلمي وهو برنامج (دعم البحوث المنشورة) وتعد عمادة البحث العلمي في جامعة تبوك رائدة – على حد علمي – في استحداث مثل هذا النوع من الآلية في تشجيع حركة النشر البحثي ودعمه بعد النشر.
إن جامعة تبوك بهذا الإسهام العلمي الجاد ببرامجها المختلفة من دعم للبحث المنشور، ودعم للبحوث الممولة، تكون قد وقفت على الجوانب العلمية المختلفة التي تسهم في بناء مجتمع علمي قوي، وترسخ في الوقت ذاته مكانتها العلمية بين الجامعات السعودية والعربية حتى تصل إلى العالمية.
* أستاذ النحو والصرف والعروض المشارك
جدة