الإبداع الأدبي عالمٌ، فيه تجدد باستمرار، وبه من التجدد والتحدث ما لا يدركه إلا المهتم أو النخبوي أحياناً، لعمقه وغزارة رمزيته، وهذا لا يؤطر أن الإبداع عالم غامض أو منعزل إلا عن فئة معينة، بل هو كيان وعالم، له من الخصائص الفنية والإبتكارية التي ترتقي به نحو السمو محاولةً إيصاله إلى سماء ذات بعد تختلف عن غيرها من السموات الأخرى، وهو في نفس الوقت أراض خصبة ذات اخضرار تمد وتعطي الجميع من شذاها الفواح.
فالسماء اليمنية؛ سماء علي الصباحي طالبة الماجستير في صحافة الطفل اليمنية، أخذت من أسمها نصيباً وأعطته وأضافته إلى إبداعها، فأخذ يرتقي نحو السمو الإبداعي وأصبح كذلك، وليس علوه كالدخان «يعلو وهو ذليل»، بل هو خلافه تماماً «يعلو وهو عظيم»، وقد يدرك ذلك من يقرأ مجموعتها القصصية الثانية «اثنان.. اثنان فقط»، هذا العلو الإبداعي يستحق التصفيق ووقفة التقدير والاحترام، كونه قد تمثلت فيه كل مقومات الإبداع أو جزء كبير جداً منها لأن يكون إبداعاً ذات سماء؛ سماء عالية وتعطي مطرها للجميع.. سماء الصباحي قاصة يمنية تقفز نحو التألق الإبداعي وأظن أن تحمسها وحماسها سوف ينتهي بها إلى مبدعة درجة أولى ويشار إليها بالإصبع في عالم السرد اليمني، ومجموعتها القصصية «اثنان..
اثنان فقط» جديرة بالقراءة والاهتمام والنقد، فهي تعكس مدي التطور القصصي في الإبداع اليمني السردي، لذا أردت أن تكون قراءاتي الأخيرة يمنية، فكانت أولى هذه القراءات للقاصة سماء الصباحي، والتي حقاً أغرتني بإبداعها وكتابتها القصصية.
قصص المجموعة «اثنان.. اثنان فقط» - والتي تنتثر في 149 صفحة من الحجم الأقل من المتوسط والصادرة عن مركز عبادي للدراسات والنشر -صنعاء اليمن 2007م- فيها لغة رشيقة تبتعد عن الترهل السردي الذي يثقل النص ويقلل من جودته، ف»سماء الصباحي» تكتب قصصاً بمقادير جداً دقيقة ومن الصعب أن تتصيد عليها بعض الهفوات إن وجدت، وأظنها بعيدة الوجود.
النص الإبداعي أياً كان جنسه، لا يجذبك ويشدك نحوه إلا أن يكون ذا قوة إبداعية تتمثل في توافر عوامل الجذب كاملة، ومنها الإغراء الإبداعي، ويأسرك أيضاً بفن الأسلوب والتكنيك، وقصص الصباحي من هذا النوع، فعنصر التشويق واكب نصوص المجموعة من القصة الأولى (غياب في رغبة مؤجلة) حتى آخر قصة فيها، فهي بأدواتها وبأسلوبها وتكنيكها ذات الحبكة المتينة استطاعت أن تصنع قوة جاذبة تجعلك وتجبرك وتشوقك لقراءة القصة كاملة بل المجموعة بأكملها دون الشعور بالملل.! فهي تأسرك أحياناً بأسلوبها ذي المفردة الرشيقة، والبعيدة عن الرمزية المفرطة يقول الكاتب يحيى البطاط على غلافها الخلفي: (تنجح القاصة اليمنية الشابة سماء الصباحي، في معظم ما اطلعت عليه من قصصها في الإمساك بموضوعها بقوة، فالفكرة لديها واضحة تماماً، واللغة لا تخذلها في ابتكار طرائق تعبيرية ناجحة لتقديم مشهدها القصصي من دون زخارف أو استطالات غير مبررة، بالإضافة إلى أن تقنياتها في البناء القصصي التي تستعيرها كما لاحظت في مرات كثيرة من تقنية القطع واللصق في السينما، كل هذا يوفر لها تفاعلاً ناجعاً من المتلقي، إنها تجيد اللعبة الفنية للقصة من دون تكلف أو مواربة...).. قصص الصباحي تشكل خلطة وكأنها وصفة إبداعية مثالية في القصة القصيرة.
ربما أتوافق مع ما قالته (ريا أحمد) على الغلاف الخلفي للمجموعة: (سماء الصباحي مشروع روائية جيدة استطاعت خلال سنوات قليلة وضع اسمها كأهم الأسماء في كتابة القصة القصيرة في اليمن لما تتميز به قصصها من طرح جميل وهادئ لمواضيع اجتماعية تدور في فلك حياتنا..)، نصوص الصباحي تتغزل بالأسلوب الروائي دون أن تقع فيه، وهذا يعني أنها تعي وتدرك ماهية الجنس السردي (القصصي)، حيث أن الصباحي تملك نفسًا روائياً لكنها لا تنجرف نحو الكتابة الروائية وإن اقتربت منها، وإن كانت هنالك قوة تجذبها إليها، فهي تمسك بإبداعها القصصي بقوة وتشبث متين.! وهذه دعوة للاطلاع على الإبداع اليمني وخاصة جنسي القصة والرواية.
يقول الناقد العراقي الدكتور حاتم الصكر عن «اثنان..اثنان فقط»: (... لأنها الثانية في إصدارات سماء علي الصباحي بعد مجموعة قصصها القصية الأولى (اختيار) إلا أن قراءة القصص الجديدة سترينا أن التدرج الرقمي ليس من نتاج المصادفات والأقدار كما في القصة، بل هو دلالة وتأكيد التطور وعي الكتابة بمستويات السرد الممكنة في القصة القصيرة التي اتخذتها سماء وسيلة وحيدة لإعادة تمثيل مشاهدها وتجاربها ومسرح مخيلتها وبناء نصوصها وابتكار موضوعاتها وشخصياتها وأحداث السرد ومصائده، وما يحف بذلك من لوازم فنية في مقدمتها اللغة سواء في الوصف أو الحوار أو توصيل أفعال السرد وتتابعها وتقاطعها أو كشف الطبائع والأعماق لشخوص القصص).
عموماً مجموعة «اثنان.. اثنان فقط» بها مسحة سحرية إبداعية نافذة المفعول وعميقة التأثير، ولذا «أردتها يمنية» هذه الفترة والفترة القادمة.
Albatran151@gmail. com
الاحساء