قد تكون هذه المصطلحات الثلاث مقترحاً لحل كلماتٍ متقاطعة، لكنها في ذاكرتي مقترحٌ لفضاءاتٍ متقاطعة دُرتُ في فَلكها طويلاً في رحلةِ بحثٍ عن الذات.
لا أزعم أن ثمة علاقة مباشرة بينها لولا أنها تقاطعت في سنوات عمري الماضية، سنوات المحاكاة، التأمل، المقارنة، السنوات التي كنت أتأمل الآخرين فيها وأراقب نفسي، أبحث عن أفضل ما لديهم وأحاكيه أو أكتفي بتأنيب نفسي أنني لا أمتلكه، أتبنى ما اتفقوا على جودته من الأفكار والأفعال والسلوك...، يتملكني كل ما يثير إعجاب والديّ حتى في آرائهما الخاصة وأقاتل من أجله، تلتها سنوات البحث، فكانت دورات تطوير/تقويم الذات، التي يدور معظمها - وإن اختلفت المسميات- حول رغبةٍ واحدة: «أن تكون ناجحاً».. لا يلج أحدٌ دهاليز البحث عن الذات دون أن تستوقفه دروس النجاح، كتب التطوير ودوراته التعليمية، يخرج منها بدفتر ملاحظات محشو بصفات الشخصية الإيجابية الناجحة، التي كلما ألجمت عفويتها اقتربت من المثالية خطوة، وفي نهاية المطاف، إن حاول (تبييض) كل ما كتب في ذاك الدفتر سيخرج بنصٍ يشبه قصيدة حرة بعنوان: «في امتداح الرجل الآلي».
لكن جميع تلك النصائح ستفقد قيمتها إن طرأ في ذهنه سؤال واحد - ولو بصورة مشوشة-: أ هذا هو الشخص الذي أريد أن أكونه؟.
هي وصفةٌ واحدة للنجاح إذاً؟، الإلتزام.. التعهد.. نبذ الأعذار... إلخ
هذا بالنسبة للنجاح في العمل، أو المُنجز أياً كان، ماذا عن النجاح في الجوانب الأخرى؟، في العائلة، بين الأصدقاء؟
النجاح في أن تختلق عذراً مقنعاً كي تتغيب عن العمل و تستلقي على كنبة بينما أبناؤك الصغار يلعبون حولك؟
النجاح في أن تقضي خمس دقائق في اللاتفكير، في أن لا يخترق سكونك أمرٌ طارئ؟
وإن كنت مدمن على عمل، لا تتوقف عن التفكير في مشاريعك، هاتفك لا يكاد يصمت، أليسَ نجاحاً أن تتعلم آليات التأجيل!؟
كل تلك الجوانب تتطلب الاتقان، وإتقانها يتعارض في بعض الأحيان و نجاحك في عملك أو منجزك.
لذا ليس للنجاح صيغة فعلية سوى مقدرتنا على بلوغ السلام والرضا في ذواتنا قبل استحضار النتائج.
أن ننذر أنفسنا للنجاح بصيغته المتداولة، ونحرّم عليها لحظات الكسل وعمل اللاشيء، طريقٌ تأخذنا إلى الفشل بالتدريج، إلى التهاوي، لأننا لن ننتبه إلى مدى الإجهاد الذي ينخر الروح إلا متأخراً.
لن أقول أن ليس للنجاح معادلة واحدة، بل أن النجاح في أصله يتعارض والتراكيب الثابتة؛ والناجح هو الشخص الذي هيأ نفسه، وروّض ظروفه إلى أن تدعم رغبته في أن يعمل ما يريد في الوقت الذي يريد.
إن نسأل ذا منصبٍ عالٍ: «أ يمكنك التخلي عن هذا المنصب دون أن تكون بذلك القرار دمرت جانباً من حياتك؟» وأجاب بلا، لن يمكننا اعتباره مثالاً للنجاح؛ هو يتقاضى ثمن حريته، ويدفع ثمن أنه حصر نفسه في خيارٍ واحد.
«النجاح» بمعناه المتداول يتطلب كلمة أخرى تشير إليه، ويظهر في بعض أسطر منظريه كلفظةٍ مضللة اتفق الناس عليها دون الانتباه إلى تباين معانيها، يظهر وكأنه ليس مقصوداً لذاته إنما لحالة الشَبعْ التي تتطلبها الرغبات غير المجابة، وثغرات المشاعر، فهو يعني الشهرة لدى أحدهم، يعني المال لدى آخر، يعني التأثير لدى ثالث، يعني الانتقام لدى رابع...،
هو وسيلة لبلوغ حالةٍ ما، اصطلح على تسمية ذروتها بـ«النجاح»...
- الرياض
sanaanaser@gmail.com