لنتكلم قليلاً عن الدفق الإنساني العالي لدى سلمى الخضراء الجيوسي. لنتكلم ونذكّر بروحها الشمسية التي بقدر صرامتها العلمية والمنهجية فإنها تخفق بقلب شعري وشاعري أقرب إلى صفاء الروحانيين مما هو إلى صرامة العقلانيين.
«شعر وفكر صنوان» يقول هايدغر وهي حكمة قد تنطبق بتحريف صغير على الجيوسي طيلة رحلة طويلة، متربة مرة، ومتلألئة مرات بين الألسن والنظريات الأدبية والخطوات النقدية العميقة والشعر الجم. وفي الحالة الأخيرة أي في حالة الشعر، لا يمكن لمترجمه سوى أن يكون على قدر رفيع من نكران الذات الذي يتماهى مع (حقيقة الوجود)، مع عرفانية ما ومع صوفية ما تليق بمترجمي الشعر الكبار وحدهم، وهي من دون أدنى شك واحدة منهم. كل مرة تتكلم مع الخضراء تشعر باخضرار وعيها وخصوبته، وهي خصوبة تحل بالضرورة في عملها شاعرة وناقدة ومترجمة.
سلمى الخضراء الجيوسي واحدة من المثقفين العرب الانسكلوبيديين القلائل، في ثقافة يكتفي فيها ممارس الضرب الأدبي المحدد على ضربه الواحد المحدد، غير قادر على التمدد إلى ضروب وحقول معرفية أخرى.
إن شمولية ممارساتها الإبداعية تفند هذا التخصص ضيق الأفق الذي إذا ما صدق على أي حقل فإنه لا ينطبق على الحقل الثقافي. هذه السيدة الجليلة تبرهن على أن أقنوم الشعر وينابيعه السرية ذات مصادر شتى وليس محض إلهام ساذج.
