الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي عضو مؤسس في «راوي» منذ أسس المحور عام 1414 هـ. (1993 م.) وشغلت مركز عضو في مجلسنا الاستشاري منذ عام 1419 هـ. (1998 م.). وكان لنا في عام 1426 هـ. (2005 م) فخر تكريم د. الجيوسي كأول من ينال أولى جوائزنا للإنجاز المكرس مدى العمر، وهي جائزة تُمنَح لشخصية عربية أمريكية أدبية حققت إنجازات متميزة. وأود أن أكرس كلمتي هذه لمنحىً واحد من مناحي عملها الثقافي المتعدد الوجوه وهو تأسيسها سنة 1980 لمؤسسة بروتا التي كرستها للترجمة من العربية إلى الإنجليزية: إن مؤسسة بروتا كانت منارة رائدة في نشر الأدب والثقافة العربيين في الغرب من خلال تقديم ترجمات إلى اللغة الإنكليزية للعديد من الأعمال العربية الأدبية. لقد وفرت بروتا للقارئ الغربي كتبا وأعمالا مفصلية للتمثيل على غنى وثراء الحضارة العربية الإسلامية وما زالت المؤسسة ماضية في مناصرة قضية الدفاع عن العطاء الهائل الذي قدمته الحضارة العربية الإسلامية عبر مساهمتها في المدنية والإنسانية. إن من اللافت بشكل متميز أن بروتا تمكنت من توفير كتب غطت التاريخ الطويل للحضارة العربية الإسلامية كما غطت في آن معا المدى الجغرافي لهذه الحضارة. على سبيل المثال قدمت بروتا المجموعة المفصلية للمختارات الشعرية العربية الحديثة كما قدمت ملحمة سيف بن ذي يزن القديمة زمنياً؛ كما نشرت بروتا أنطولوجيا للروائع الأدبية الأندلسية وأخرى لأدب الجزيرة العربية المعاصر.
تحققت إنجازات بروتا بسبب ملِكات تميز هذه المؤسسة بين المؤسات الثقافية العربية والإسلامية. أول هذه الملِكات هي المهنية المتفانية التي تتحلى بها كتب بروتا. لدى انتقاء أي من كتب بروتا يتوقع القارئ عملا يتسم بمستوى أدبي رفيع للغة إنكليزية ممتازة. كذلك يتوقع مقدمة وهوامش تساعدان في إضفاء مرجعية موثوقة للعمل. ومن الحقائق الثابتة الآن في مجال الدراسات العربية الإسلامية أن كتب بروتا تتصف بأعلى المقاييس المهنية. وتعتير بروتا اسما علما مرجعيا في حقل الدراسات الشرق أوسطية لدى المكتبيين المتخصصين حيث يعتبر الكثيرون منهم أن كتابا ترى بروتا أنه يستحق النشر يقتضي وجوده على رفوف مكتبتهم. إضافة إلى ذلك فقد نجحت بروتا في نشر كتبها عند أفضل الناشرين الأكادميين والتجاريين في الولايات المتحدة. إن كثيرين منا قد شاهدوا جهودا ممتازة لناشطين أكاديميين وباحثين مخلصين تذهب هدرا ضحية التوزيع والدعاية المحدودين. ولكن دور النشر العالية السمعة التي نشرت كتب بروتا كانت بفضل علو اسمها في عالم النشر تضيف طابع المصداقية على كتب المؤسسة سواء أمام بائعي الكتب أو المشترين. ثم إن كتب بروتا تبقى مؤهلة لإعادة طباعتها وهي متوفرة في محلات بيع الكتب وعلى رفوف المكتبات. إن بروتا بلغت نهاية العقد الثالث لعملها، ومثل هذا التكريس والدأب في دنيا الأدب غير مسبوقين في مجال الفاعلية الثقافية العربية والإسلامية في الغرب. إن استمرار بروتا في النشر طيلة هذه المدة وتمكنها من أن تبقى مرئية على الساحة الأدبية يشكلان حافزا لنا في «راوي» ونحن نستمر في عملنا نحو تحقيق تقبل وتفهم في الغرب للثقافة العربية الإسلامية ونظرتها للعالم، وهذا عمل صعب لا نُجزى عليه كثيرا. غير أن بروتا تمكنت من إبقاء مركزها فوق خط النجاة ومن مفاجأتنا باستمرار بنشر كتب ممتازة الواحد تلو الآخر. وبهذا كانت بروتا منبرا لأصوات إنسانية عديدة عبر العهود، عربية ومسلمة، متيحة لها مجال تقديم أفضل ما في إنجازاتها إلى العالم. لقد تمكنت المؤسسة، عبر الترجمات، من تقديم منتخبات لأفضل الإنجازات الأدبية العربية. ولم يُكتفَ باعتماد ترجمات بروتا إلى اللغة الإنكليزية كمراجع للباحثين في الحضارة العربية الإسلامية لكنها اعتمدت كذلك كمراجع للمترجمين إلى لغات أخرى. إن المكانة المتميزة التي اكتسبتها بروتا بين الأوساط المهنية والأكاديمية في العالم الناطق باللغة الإنكليزية غدت ذخرا ونموذجا لكل العاملين في مجال الدراسات العربية والإسلامية، أفرادا ومؤسسات. إن صدقيتها الساطعة وسجلها الممتاز يؤهلان خط نشاط بروتا لنجاحات عديدة في المستقبل في حقل التبادل الثقافي عبر الترجمة.
* رئيس مؤسسة راوي وأستاذ اللغة الإنكليزية في جامعة ميتشيغان- الولايات المتحدة