إن الإنتاج الفكري الكبير الذي يصدر عن «سلمى الخضراء الجيوسي» يمثل في ما يمثله، جوانب خلاقة في التراث الثقافي العربي، تعمل الكاتبة الكبيرة على تعريف المثقف الغربي بها، إنه انتاج يصح أن يكون طريقاً لهذا المثقف إلى تثقيف ذاته حول هذا التراث، وأداة في التصدي «للأمية» السائدة في الكثير من الأوساط الثقافية الحديثة في ما يتعلق بهذا التراث، إن سلمى الجيوسي لا تعمل فقط بجدارة فائقة على التعريف بهذا التراث، بل تكرس أيضاً كل ما تملك من طاقة في هذا الصعيد، وتعمل وكأن الموضوع يشكل رسالة تاريخية تقوم بها، وترى أن من واجبها القيام بها، هنا نجد ظاهرة أخرى تضفي قيمة خاصة على هذا الإنتاج، وهي الالتزام الصادق الأمين له، فدون هذا النوع من الالتزام يخسر العمل الفكري قدرته على الإبداع الصحيح.
ما يضفي على هذا الإنتاج قيمة أخرى أساسية هو الرؤية الكبيرة التي يعبر عنها. هذه الرؤية تنظم إنتاجها في جميع جوانبه. كأديبة، ومؤرخة، وناقدة، وباحثة، وتعمل على الإعلان عن وحدة الوطن العربي الثقافية، تكريس هذه الوحدة وإبرازها. إنها رؤية تزداد وضوحاً وأهمية عندما نذكر أنها تظهر في مرحلة تسود فيها مهانات وآلام، شرور ومخاطر التجزئة السياسية، التجزئة التي أخذت تهدد بالتحول إلى إقليمية نفسية وفكرية تكرسها بشكل نهائي.
لهذا كان القصد من هذه الرؤية هو أن تكون محاولة مضادة لهذه الإقليمية، هنا تجدر الإشارة بأن الشيء المهم والأساسي في العمل الفكري الجدي ليس الناحية الكمية، تراكم الاطلاع أو حتى المعرفة الواسعة التي يكشف عنها حول الموضوع الذي ينشغل به، بل هو الرؤية وتوعية الرؤية التي تميزه، فقيمة العمل الفكري هي أساساً في الرؤية.
ما يجب الإشارة إليه هنا، وبشكل خاص هو الحدس الخلاق الذي تكشف عنه سلمى الخضراء الجيوسي في أعمالها الفكرية، فهذا الحدس يمثل شرطاً أساسياً من شروط العملية أو الخلق الفكري الكبير، هذا موضوع يتطلب طبعاً مجالاً آخر في تحديد طبيعته ودوره، ولهذا أكتفي هنا، بهذه الإشارة، ثم القول أن هناك اعترافاً بالحدس، في الأوساط الفكرية الحديثة، كأحد الطرق الأساسية في الوصول إلى المعرفة في جميع أشكالها ومجالاتها.
مفكر عربي من لبنان مقيم في أمريكا