نعم، إنها تطاولُ به السحاب وما فوق السحاب، فما قدّمه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للساحة الثقافية السعودية وبدون مبالغة وادعاء فاق كل الأوصاف وتجاوز كل التوقعات، ولا يمكن لنا مهما كتبنا أن نحيط به. لأن بعضه لا نعرفه وبعضه الآخر خفي علينا.
إن المتأمل الواعي المنصف لمرحلة حكم الملك عبد الله، سيلاحظ -دون شك- أنها مرحلة أولت اهتماماً عظيما بالثقافة والمثقفين والفكر والمفكرين والأدب والأدباء. لقد حظيت العلوم والمعارف والعلماء باهتمامه العظيم -حفظه الله- فهو ربّان سفينة المعرفة التي تخوض في جميع بحور العلم المختلفة. وهذا ليس كلامي وحدي؛ بل هو حديث الملايين من شعبه المحب له عامة، ومن المتواجدين في الوسط الثقافي السعودي والمتابعين له خاصة.
فها هي قنواتنا التلفزيونية ومحطاتنا الإذاعية تخطو خطوات حثيثة جبّارة في عصره، وها هي صحفنا (الورقية والإلكترونية) تتكاثر وتزداد قوة وروعة وإبداعاً، بفضل الله ثم بفضل جهوده الملموسة الرائدة، وها هي مهرجاناتنا الثقافية وندواتنا العلمية والمعرفية تبهرُ الملايين في مختلف أنحاء المعمورة، وها هي معارض التعليم والكتب والفنون المختلفة تنتشر في جميع أنحاء الوطن انتشاراً يسلب الألباب ويطرب نفوس المواطنين والمقيمين، وها هم طلابنا يُبتعثون لعشرات الجامعات والمعاهد والكليات العالمية بأعداد كبيرة، لم يكن لها أن تكون هكذا لولا المصاريف الضخمة والاستعدادات والترتيبات والخطط الهائلة التي أشرف عليها مليكنا المثقف، وبذل كل ما بوسعه لتنفيذها على أكمل وجه وأدق وأجمل صورة.
أما الملحقيات الثقافية السعودية في الخارج، فقد بلغت أوج نشاطها وذروة عطائها في عصره، ويظهر ذلك في مشاركاتها المتتالية القوية بأجنحتها التي تشارك بها في مختلف المناشط المعرفيّة والثقافية التي تقام في عدد كبير من دول العالم، وباحتفالاتها التي تقيمها للسعوديين المهتمين بالعلم والثقافة من المقيمين في تلك الدول أو الدارسين فيها أو الزائرين لها للسياحة وغيرها، بالإضافة لقيام تلك الملحقيات بجمع ونشر المعلومات التي تعكس الثقافة السعودية والتقاليد والتراث، ونشرها بشكل فعّال في الميادين الأكاديمية والثقافية والأنشطة الاجتماعية المحلية.
ولا يمكن أن نغفل هنا الحديث عن (جائزة الملك عبد الله للترجمة) التي أصبحت اليوم من الجوائز العالمية المعروفة في ترجمة الأعمال المتميزة معرفياً وثقافياً، وزادت قيمتها بين أبناء العرب والمسلمين خاصة، لوجود خاصيتين فريدتين بها، هما أنها تقام في قلب العالم الإسلامي، وأنها مرتبطة باسم الملك عبد الله، الذي قدّم لها كلَّ ما يمكن تقديمه.
وكذلك لا يمكن أن نغفل اهتمام خادم الحرمين بالجوانب الثقافية في مهرجان الجنادرية، حيث يوجّه في كل عام باستضافة المثقفين والمفكرين والأدباء والعلماء في مجالات كثيرة، ليستفيد منهم ومن تجاربهم وثقافاتهم المواطن السعودي التوّاق للحضارة والبناء الفكري.
أما مبادراته لدعم الأندية الأدبية فأكثر من أن تحصر، فقد اهتم بها أيما اهتمام، ونظر إليها باعتبارها حاضنة للثقافة، ووضع القائمين عليها أمام مسؤولياتهم التاريخية، ودعمهم مادياً ومعنوياً حتى بلغ الدعم 10 أضعاف الدعم السنوي.
إنه لمن الخطأ أن يُظنّ أن جهود مليكنا الثقافية محصورة في الأدب أو الشعر أو المجالات المشابهة، فقد امتدت ذراع كرمه لتشمل مجالات أخرى، منها -مثلاً- اهتمامه بالمخترعين والمبتكرين والمكتشفين، ولو أردنا استعراض الأسماء السعودية التي حققت بفضل دعمه النجاحات الباهرة في هذا الشأن، لاحتجنا لكتابة كثير من المقالات، بل لاحتجنا لتأليف الكتب في شرح مخترعاتهم ومبتكراتهم واكتشافاتهم التي حظيت بدعم منقطع النظير من المسؤولين في هذا الوطن، بتوجيه ومتابعة مستمرة من لدنه لا حرمنا الله منه. إن لهذا الملك الإنسان حراك جميل له بعد إنساني واسع؛ فقد عمل على دوزنة الأمور بصورة تدل على وعي مؤسساتي، فتطوير القضاء مثلاً، لم ينظر إليه بالشكل الاعتيادي المألوف، ولم يضع الأمور أمام المسؤولين عنه فقط، بل أشرف على خطوات تطويره إشرافاً مباشراً، ودعمه بمبلغ يقارب 10 مليارات ريال، ووضع استراتيجيات واضحة نراها تحقق الأهداف المتتالية في مجال العدالة بشكل سريع سليم لافت.
وحين نظر إلى التعليم، وضع نصب عينيه ضرورة تشكيل الفرد في هذا الوطن بشكل يجعله قادراً على المنافسة في ساحات النجاح الإنساني. لقد أدرك -أيّده الله- أن الاهتمام بالتعليم هو المقياس الحقيقي الدقيق لوعي الشعوب، فضاعف أعداد الجامعات حتى شملت جميع أنحاء الوطن، ودعم مشروع تطوير التعليم بمبلغ يتجاوز 10 مليارات تقريباً.
وبعد كل ذلك –وغيره الكثير الكثير- ألا يحق لنا القول بأن ثقافتنا تطاول بهذا المليك المثقف هام السحاب وما فوق السحاب؟
جدة