مصطفى الشيخ قد رحل.. إنه القدر كان حاضراً في ذلك اليوم باغتنا ظلام الليل فجأة قبل موعده.. لم ينتظر مغربه.. لم تكن حلقته الزمنية قد اكتملت.. النهار تلاشى وأسود.. إنه القدر كان حاضراً.. في ذلك الليل النجوم اختفت.. الشجر توقف حفيفه.. لا نسمع سوى صوت الألم.. صوت الحزن.. صوت البكاء.. المشاعر مختلطة ما بين حزن وعدم يقين.. اندهاش.. وجع.. وجع غير مصنف..!إنه القدر كان حاضراً.. حاضراً وبقوة.. لم يروِ قناعتي ما كان منشوراً ومتناقلاً في جداول وساحات عنكبوتات النت ومواقعه.. سرحت بعيداً.. صدمة أصابتني.. قشعريرة انتابت جسدي.. هدأت بعد زمن شحيح.. مارست طقوسي.. اتصالاتي.. لم يقنعني تأكيد صديق.. لم أصدق رؤى عيني.. الرؤية كانت مشوشة.. ضبابية في النظر..! الصدمة أعمق من واقعية الحقيقة.. الصاعقة شديدة.. شديدة جداً.. لم أتخيل ذلك المشهد المروع.. ذلك المسرح الدامي.. شلالات تباغتني.. لا أعرف أن أصفها.. لا أدرك تصنيفها.. ربما قاموسي لا يستوعبها.. كلماتي تتطاير.. أحاول حزمها برباط يجمعها.. يجمع شتاتها.. لكن دون جدوى.. لم..؟ ربما الفاجعة أكبر مما أن تُحتمل.! سرعان ما رجعت بي الذاكرة إلى الوراء.. إلى قبل عشرين عاماً أو يزيد، حينما كنا ذلك الصباح الباكر نستذكر معاً فوق صخور جبل قارة.. لا أعرف لماذا ذلك الموقف تحديداً دون غيره، رغم كثرة مواقفنا الجميلة..؟! لماذا تذكرته دون سواه..؟ لا أعرف سر ذلك.! إنه القدر كان حاضراً.. قدري أنني لم أره منذ فترة ربما شهراً أو تزيد قليلاً.. لا أستطيع وقتها تجميع أعضائي.. أفكاري.. حواسي.. حتى مشاعري اختلط عليها المصاب.. المصاب جلل.. حقاً إنه جلل.! بركان الأرض تحت قدمي كان شديداً.. زلزال الألم كان طاغياً.. لا تسألني.. إنه مصطفى.. مصطفى الأستاذ.. مصطفى المربي.. مصطفى الأمين.. مصطفى المجتمع.. مصطفى الشيخ قد رحل..؟ إنه القدر كان حاضراً.. رحل الشتاء ونحن في وسطه.. في عمقه.. رحل البرد.. الحرارة بديلةً عنه.. حرارة الفاجعة.. حرارة الألم.. حرارة الفقد.. حرارة الأسى..! لا اعتراض على القدر.. لكن لم القدر الآن..؟!! ربنا لا اعتراض، ولكن لم القدر الآن..؟!! رحل الأخ.. رحل الصديق.. رحل الصندوق الأمين.. وقتها عم السواد وأمطرت العيون، وتلونت الوجوه.. وارتجفت الأعضاء.. وتنافضت الأبدان.! لا مفر من القدر.. فلنرضى بالقدر.. لأنه القدر.. ولا اعتراض عليه لأنه كان حاضراً.. حاضراً وحضوره كان قوياً.. ويا ليته كان مسافراً ذلك اليوم ولم يحضر.. فقد تكسر إطار الصورة، وتمزقت ستائر المسرح قبل انتهاء العرض، وتناثرت مقاعد المدرجات وأطفأت الإضاءة، ورحل مصطفى الشيخ.. رحل إلى دار أخرى ومكان آخر..
Albatran151@gmail.com
الاحساء