تعرفت عليه لأول مرة في أبها في حوالي عام 1383هـ وهو يرافق والده – رحمه الله – في إحدى المناسبات الاجتماعية.. وقد وقر في نفسي منذ تلك اللحظة أنه كان باراً بأبيه. وبحكم ترددي على مدينة (أبها) وما حولها منذ ذلك التاريخ، عرفته عن كثب فعرفت فيه خصالاً حميدة كثيرة، وأكثر تلك الصفات استقباله وبشاشته كلما رآني أطل عليه في النادي الأدبي، بل كنت كلما آتي لأبها وما أكثر ما آتي إليها بعد زواجي من هناك، فكان يدعوني في بيته، وكنت أنضم إلى مجموعة متآلفة منه ومن الأصحاب نتسامر ونتعشى ونلعب الورق «البلوت» في ليالي الصيف، وكانت «الشلة» بالإضافة إلى صاحبنا تتكون من السادة: خالد محمد شيخو، وأحمد مطاعن (شاعر) وعلي علوان - يرحمه الله - وإبراهيم الغماز، وعلي التركي - رحمه الله - وهو شاعر ويحيى العايض، والمهندسين صالح وعلي قدح وحسن ميمش وغيرهم، وكنا أو معظمنا قد وصلنا الخمسين أو تعديناها وكلهم تقريباً ماعدا آل قدح متقاعدون، وأسميتهم مجموعة (إخوان الصفا وخلان الوفاء)! وكان أولهم صهري.
إن ابن حميد يملك جاذبية في الشخصية وإشراقة، في الروح تشدك إليه، وهو يميل مثلي إلى الطرافة والنكتة والتعليق أحياناً، كما أنه من الذين يطغى على شخصيتهم الجانب الاجتماعي والأبوي والتوجه الواقعي - البراغماتي - ويعتبر بحكم السن والخبرة والدور عميداً أو عمدة أدباء عسير الكبار في الخمسين سنة الأخيرة، وكتب وألّف وحقق بل وتصدى للمؤرخ المفتري: كمال الصليبي ورد على أكاذيبه وافتراءاته ومزاعمه غير العلمية عن عسير، ومثل ذلك فعل مع أحد مدعي التأليف السابقين عن تاريخ عسير، فهو كاتب وباحث ومنافح عن الحق والحقيقة.
وللأستاذ الحميد فضل في تأسيس النادي الأدبي في أبها ونجاحه، وهو الرئيس الدائم له حتى وقت قريب، وبذل جهوداً كبيرة من أجل النادي.. وبسبب علاقته الوثيقة مع أمير المنطقة والشخصيات الرسمية فيها استطاع أن يكسب للنادي الكثير.. ومن ذلك الحصول على أرض واسعة في قلب المدينة أقام عليها النادي مبنى جميل، وقاعة للمحاضرات.. وفيه مكتبة قيِّمة ورواده كثيرون بسبب إخلاص والتزام أبو عبدالله بالدوام في النادي صباحاً ومساءً وتفرغه للعمل فيه، ولقد زرت النادي قبل سنوات فوجدته في مبنى مستأجر ومتواضع ولا يليق بنادٍ يجمع صفوة الأدباء والمثقفين في المنطقة، وقد طبع النادي عشرات الكتب في أنواع الأدب والفكر والتاريخ، ولكن حظي كان عاثراً مع النادي فيما يختص بطباعة بعض كتبي أو إلقاء المحاضرات فيه، فلم يُطلب مني ذلك، مع أنه دعي للنادي وطبع لمن هو أقل مني شأناً ومستوى؟! والحق أنني لم أعرض إنتاجي عليهم.
زارني ابن حميد مرة واحدة في بيتي بقروى في الطائف وحاولت إكرامه بجمع بعض أدباء وأعضاء نادي الطائف في مناسبة خاصة وقد تركت تلك المناسبة الصغيرة في نفسه انطباعاً كبيراً، وهكذا فالرجل من الحامدين الشاكرين، كما أنه من الحريصين على ما في أيديهم، ولكن روحه الكريمة ومجاملاته وقيامه باللازم يكفي.
ولم أزل أحب هذا الرجل المتفرد بخلقه وأدبه، وأواصله بعد انقطاع قصير فرضته الظروف والأسفار في الأمصار، ومع أنه تعدّى الثمانين – حسب ظني – فقد واظب على الكتابة الأسبوعية في صحيفة (الوطن) وفي القراءة والتأليف والواجبات الاجتماعية والرسمية.
ويعتبر (ابن حميد) كوالده - رحمه الله - من وجهاء المنطقة، وقد كان والده رئيساً لبلدية (أبها) في السبعينات الهجرية وله إنتاج أدبي وثقافي نشره الابن قبل سنوات في كتاب بعنوان: أديب من عسير، كما أن الأستاذ: محمد عمل في شبابه وحتى تقاعده في الوظائف الحكومية، وأصبح فيما بعد عضواً في الدورة الأولى لمجلس الشورى، إلى جانب عضويته في مجلس المنطقة، وعمله الإنساني الآخر وبعضه غير معروف في جمعية البر وإصلاح ذات البين والوجاهة للمنطقة وأهلها لدى المسؤولين الكبار.
الرياض