الاعتماد على نقاط القوة هو أكثر ما تحتاجه الصحافة الورقية في مواجهتها تحدي الإعلام الجديد. والقوة في الإعلام – التقليدي كما الجديد- تعود إلى مصدرين: الاقتصاد والحرية، وهما عنصران يتبادلان موقعي السبب والنتيجة في حالات كثيرة.
منذ ولادة الصحافة المطبوعة تكونت معادلة تقليدية تحكم اقتصاد وسائل الإعلام؛ خلاصتها أن الوسيلة تبيع الجمهور للمعلن، غير أن ولادة وسائل الإعلام الجديد ساهمت في إضعاف هذه المعادلة؛ إذ ظهرت صيغ تعتمد مادياً على تلقي التمويل من الجمهور بشكل مباشر وليس المعلن كما في حالة الخدمات الإعلامية عبر الرسائل النصية القصيرة. وواجه هذا التغير ملاحظة أن قيمة التشغيل المنخفضة لهذه الوسيلة مرهونة باستمرار وسائل الإعلام التقليدية؛ إذ هي تنقل عنها معظم موادها، وبالتالي فإن توقف وسائل الإعلام التقليدية يعني انهيار الوسيلة الجديدة ضمناً، إذ هي مضطرة إلى توظيف طواقم ضخمة محلياً ودولياً لمتابعة الأنباء، أو الاستمرار في الاعتماد على الوسائل التقليدية، والخضوع لمعادلتها. غير أن هذه الملاحظة آخذة في التفتت مع قيام تطبيقات إعلامية على مواقع مثل (يوتيوب) و(فيس بوك) و(تويتر) تعتمد على مواد ينتجها الجمهور ويقدمها مجاناً. وبذلك ينتقل الإعلام الجديد من الاعتماد على تلقي التمويل من الجمهور إلى توظيف الجمهور وبدون مقابل. وهنا نحن إزاء تهديد غير مسبوق للمعادلة الاقتصادية التقليدية الحاكمة. ويزداد الأمر تعقيداً إذ يتحول المعلنون شيئاً فشيئاً إلى الانتفاع بالتطبيقات الحديثة التي تتميز بأن الإعلان فيها أقل تكلفة وأكثر قبولاً للتوجيه إلى الجمهور المستهدف، فضلاً عن أن وسائل الإعلام الجديد تتيح في معظمها تحديداً أكثر دقة لحجم الجمهور.
في الجانب الثاني تبقى قلة القيود الرقابية على اغلب وسائل الإعلام الجديد ميزة رئيسة لها، في مقابل اعتقاد سائد بتقدم الإعلام التقليدي على معيار المصداقية؛ إلا أن اختبار هذا الأمر من خلال دراسات علمية تدقق وتفصّل من شأنه في تقديري أن يذيب هذين التعميمين لمصلحة استنتاج أكثر دقة. إذ أن وسائل الإعلام التقليدية ليست شيئاً واحداً يجوز إطلاق الحكم عليه. كما أن العالم يشهد توالي الخطوات بوضع قوانين تضبط حركة وسائل الإعلام الجديد.
الرياض