تقول حكاية قديمة، من حكايات الإغريقي المبدع أيسوب (620 – 534 ق.م) ترددت في أنحاء العالم بلغات وصيغ مختلفة: (كانت أفعى تتجول في الصحراء جائعة، فرأت فأراً سميناً أسال لعابها فلحقت به لتلتهمه، غير أنه هرب منها وصار يركض صوب المدينة فزحفت خلفه تتتبعه، دخل من فتحة صغيرة إلى ورشة للحدادة كانت مغلقة فدخلت خلفه من الفتحة نفسها، اختبأ الفأر خلف مبرد يلمع فلمحت الأفعى صورة الفأر على المبرد فابتسمت وقد صار أمام عينيها ولا يستطيع الهرب (!) مدّت الأفعى لسانها لتضربه بسمها فترديه قتيلاً لتلتهمه ولكنّ لسانها ارتطم بالمبرد فسال منه بعض الدم على المبرد. أكملت الأفعى مهمتها وراحت تحكّ لسانها وتلعق المبرد الذي تلطخ بدماء تسيل من لسانها، وكلما ازداد احمرار الدم على المبرد ازدادت الأفعى تعطشاً للدم وازداد حكها ولعقها للمبرد حتى تمزق لسانها فقررت أن تحسم أمرها فضمته واعتصرته بجسدها لتقتله فما كان من جسدها إلاّ أن تمزق على المبرد وراح ينزف دماً حتى ماتت في مكانها. عند ذلك تقدّم الفأر مطمئناً وراح يلتهم ما يستطيع من لحم الأفعى...)
أشياء كثيرة في حياتنا الآن تشبه تلك الأفعى الجائعة الحمقاء، التي جاءت من صحرائها لتقتل نفسها في مكان تجهله وتجهل أدواته. وأشياء كثيرة أخرى تشبه ذلك الفأر الداهية المحظوظ، الذي عرف متى يركض ومتى يقف. ويبقى المبرد هو المبرد وإن تعددت أشكاله..
***
(في انتظار طبيعةٍ أخرى)
وصلوا إلى نصف الحديقةِ..
لم يكونوا قادرين على التقدّم للثمارِ،
ولم يكونوا عاجزين عن التلهّي كالصغارِ،
لأنهم كانوا كباراً، إنما..
كانوا إذا اعترف المساءُ بما يرون على النوافذِ
يسألون البيرقَ الوهميَّ فتحاً للنهارْ
وإذا تختّم في المسافات القريبة طلسمٌ
شرَدَتْ ظلالٌ منه كي يبقى وحيداً مرغماً بمسيرهِ
حتى مواجهة الغبارْ
خرجتْ خواتِمُ من أصابعَ قاصراتٍ
كي تمدَّ حلوقها حول المفاتيح القصارْ
كانوا قريباً من إجابتهم، ولكنْ
لم يكونوا مرغمين على السؤالْ:
من ذا يعود إلى الطفولةِ، في براءةِ عاشقين، مجدّداً
وهو الذي تعبتْ حروفٌ منه في لغةٍ ستشطفها القواميسُ التي
خرجتْ من الأمطار..؟
من ذا سيحكي للرمال السيرةَ الأخرى التي كانت عليها
قبل أن يأتي على السور انهيارٌ، ثم يتبعه انهيارْ؟
كان الطريقُ إلى الطريقِ طريقَهم
والموجُ كان صديقَهم
والماءُ، بعضُ الماءِ، كان على الجبين يعدُّ شيئاً في الرموشِ
يردُّ شيئاً للنقوشِ الحافظاتِ بقاءَ ذروتها
ويمرُّ بين ملامح الزوّار، ينزع طوقَهم
ويسير فيهم عبرَ ذاكرةِ السنين إلى الثواني،
يسير فيهم بالدقائق والمعاني،
بالجسور إلى الإعادة للقواعد ثابتاتٍ
كانحناء الخوف في قلب الجبانِ
وكانتهاء الشوط في قدمٍ تخطّاها امتحانٌ فاشلٌ
نزلتْ به الأقدارُ من أعلى مكانٍ في المكانِ
كما تراها فيه، قد نزلتْ به..
حتى تعلّقَ بالزمانِ.....
ffnff69@hotmail.com
الرياض