ليس دفاعاً عن الجامعات.. ولكن! سعد البازعي
|
لا أظن أحداً من المسؤولين عن التعليم العالي أو المشاركين فيه تدريساً أو إدارة أو بطبيعة الحال أولئك الذين يطلبونه من الدارسين، لا أعتقد أن أحداً منهم يعتقد أن جامعاتنا حققت المستوى الذي نأمله أو حتى اقتربت منه. وضع الجامعات ينطوي على مشاكل كثيرة لعل الرئيس منها هو عدم الاستقلالية في القرار سواء الإداري أو المالي أو حتى العلمي أحياناً.
وكم حدثتني نفسي أن أكتب عن هذه المشكلات بوصفي أحد المنخرطين في التعليم الجامعي طالباً ثم عضو هيئة تدريس وإدارياً في بعض الأحيان، وما زال ذلك هاجساً ملحاً لأهمية الموضوع.
لكن كتابتي اليوم ليست لتحقيق ذلك الهدف، لا أكتب اليوم لمناقشة مشكلات التعليم الجامعي على كثرتها، وإنما لمناقشة تقرير نشر مؤخراً عن الجامعات في العالم وموقع جامعاتنا بين الجامعات الأخرى. فقد تضمن التقرير الذي قرأت عنه، أو قرأت خلاصته في الصحف، دون أن يتاح لي التقرير الأصلي، أن الجامعات السعودية تحتل مواقع متأخرة جداً قيل إنها قبل الأخيرة، ولو قيل الأخيرة لما كان هناك فرق. كما تضمن التقرير أن جامعة القاهرة كانت من بين الخمسمائة جامعة الأولى في العالم، مع أنها ليست في موقع متقدم حتى بين تلك الجامعات.
السؤال أيها الإخوة والأخوات هو: ما المصداقية العلمية لذلك التقرير؟ من أين حصل واضعوه على المعلومات الضرورية للقيام بتقييمهم، أقصد عن جامعاتنا العربية والسعودية بشكل خاص؟ هل ثمة معلومات دقيقة وواضحة لدى أحد هنا في المملكة؟ نعم هناك معلومات لكن ما مدى جدتها، وما مدى شموليتها؟ ثم ما مدى دقة إحصائياتها؟
إننا نعلم جميعاً أن العالم العربي يعيش حالة مأساوية في مجال المعلومات، أقصد توفرها وسهولة الحصول عليها. وقد تعجبت في العام الماضي عندما نشر تقرير الأمم المتحدة عن الكتب والنشر في العالم وكيف أن إسهام العالم العربي ضعيف إلى درجة البؤس. السؤال كان: من أين أتى واضعو ذلك التقرير بمعلوماتهم؟ أي دائرة إحصائيات أعطتهم عدد الكتب المنشورة في الدول العربية إذا كان بعض هذه الدول نفسها يفتقر إلى تلك الإحصائيات، وإذا كان بعض الدول، كالكويت مثلاً، ليس فيها مكتبة وطنية توثق الإصدارات وتحفظها وتمنحها الترقيم الدولي، كما علمت قبل عام أو عامين، مع أن الكويت من أنشط الدول العربية في دعم الثقافة والنشر؟ ثم كيف أحصوا عدد ما ترجم في التراث العربي مع أن معظم ذلك التراث ما زال مطموراً على شكل مخطوطات لم تحقق.
إن تقرير الجامعات يقوم على الإحصائيات إلى حد كبير فمن أين جاءت؟.. يقال إنها جاءت من مواقع الإنترنت، وهذه من أسوأ مصادر المعلومات عن الجامعات، فبشكل عام مواقع بعض الجامعات ضعيفة (ومنها موقع جامعة الملك سعود). لكن لو كان المصدر هو وزارة التعليم العالي فلا أظن أن المعلومات ستكون بحال أفضل. انظروا معي إلى بعض الإحصائيات التي نشرتها وزارة التعليم العالي في المملكة مؤخراً. انظروا إلى غياب الدقة عن بعض ما فيه من إحصائيات. أمامي كتاب بعنوان (التعليم العالي في المملكة العربية السعودية: تقرير موجز 1426هـ).. في هذا التقرير لفتت انتباهي إحصائيات تخص جامعة الملك سعود، الجامعة التي تخرجت فيها وأعمل فيها حالياً. تقول الإحصائية (ص 55) إن طلاب كلية الآداب بالجامعة هو 7368 (سبعة آلاف وثلاثمائة وستة وثمانون)، وهو رقم خاطئ كما يعلم ذلك كل منسوبي الكلية والجامعة إلا إذا كان المقصود عدد الطلاب الذكور فقط، فكلية الآداب أكبر كليات جامعة يربو طلابها على الستين ألف طالب، كما علمت مؤخراً. وإذا كان المقصود هو الطلاب الذكور فعلاً فعلى أي أساس تورد الإحصائية المتعلقة بجامعة الملك عبدالعزيز أن عدد طلاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية في تلك الجامعة هو 15619 (خمسة عشر ألفاً وستمائة وتسعة عشر): هل هؤلاء هم الذكور فقط أم الذكور والإناث؟.. الأقرب أنهم الذكور والإناث، لكن ذلك لم يذكر، مثلما أنه لم يذكر في حالة كلية الآداب بجامعة الملك سعود حيث يبلغ العدد رقماً لا يحضرني بالضبط لكنه كان حتى قبل عامين على الأقل في حدود الاثني عشر ألف طالب وطالبة، ولعله الآن أكثر من ذلك بعد أن تحولت الكلية على مدى السنوات الماضية إلى وعاء الاستقبال لمن لا تجد لهم الجامعة مكاناً في كلياتها الأخرى.
أعلم أن عدد الطلاب ليس مهماً جداً لمنح جامعة مكانة رفيعة، ولكني أضرب به مثلاً لغياب الدقة في بعض إحصائياتنا، وقد يكون في عدد الأبحاث وأعضاء هيئة التدريس ما يشبه ذلك، فكم عدد الذين يوافون إدارات الجامعة بعدد الكتب أو الأبحاث التي قاموا بها؟.. إنهم قلة كلما نعلم جميعاً، وليس ما أشرت إليه هنا سوى مثال بسيط لغياب الدقة في المرجع الحكومي الذي يمكنه في الحالات الطبيعية أن يعطي المعلومات لجهة دولية تطلب تلك الإحصائيات (علماً بأن وزارة التعليم العالي قد لا تكون مسؤولة عن عدم الدقة إذا كانت الجامعات هي التي تعطيها تلك الأرقام، ولو أن وجود بعض منسوبي بعض تلك الجامعات في قيادة الوزارة سبب كاف لتحري الدقة). المهم هنا هو أن التقرير المنشور عن الجامعات في العالم العربي قد لا يكون دقيقاً، وهو بالتأكيد مثار استفهام في حالة جامعات المملكة.
أيها السادة: كيف تكون جامعة مثل جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بسمعتها المتميزة واحدة من آخر الجامعات في العالم؟ كيف تكون جامعة الملك سعود، كمثال آخر، في ذلك الموقع وفيها أساتذة تحكم ترقياتهم عالمياً، وفي أفضل جامعات العالم، وتأتي التقارير لتشهد بمستوى متميز؟ أقول ذلك من معرفة شخصية، ولا أظن الوضع مختلفاً عن الجامعات السعودية الأخرى أو بعضها على الأقل.
في جامعة الملك سعود واحدة من أفضل المكتبات في العالم العربي، وقد تكون أكبرها، فكيف تتأخر كل ذلك التأخر في التقرير؟ إنني آخر المدافعين عن الجامعات السعودية لو كنت أمام من يمنحها من الأهمية فوق ما تستحق، لكن ذلك لا يعني الموافقة على كل ما ينشر عنها سلباً أيضاً، وأستغرب كل الاستغراب سكوت المسؤولين في تلك الجامعات عن التقرير المشار إليه وهو يضع كل عملهم على المحك مشككاً فيه وفي المؤسسات التي ينتمون إليها.
مرة أخرى، في جامعاتنا من المشكلات ومن الضعف ما فيها، ولا أظن أن تقريراً سيضع تلك الجامعات في المقدمة، وأولئك منا الذين يعملون فيها يدركون أو يدرك بعضهم ذلك، لكن ذلك الإدراك لا يعني أن جامعاتنا كلها في مؤخرة الركب، ينبغي ألا نقبل كل تقرير يأتي على علاته، وفي تقديري أن القبول العام لما يصدر من تقارير عن الوضع العلمي أو الثقافي في المملكة أو العالم العربي هو بحد ذاته مؤشر على الضيق العام بما يكتنف أوضاعنا من مشكلات، فقد تعودنا ألا يدافع عن المؤسسات والمنجزات إلا واحد من اثنين: إما المسؤولون أو المتملقون.. أن يضاف إلى أولئك فئة أخرى، فئة الباحثين عن المعلومة (الصحيحة) سواء كانت معنا أو ضدنا. وفي تقديري إن غياب تلك المعلومة، بل الشفافية بشكل عام، سيظل مصدراً لكل ما ينتج من خلط وتشويش، سواء كانت صحيحة أم خاطئة. فلنقيم أنفسنا وبشكل شجاع وصحيح قبل أن يقيمنا الآخرون ثم نحار ماذا نفعل؟!.
Albazei53@yahoo.com
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|