اطلعت على ما جاء في مقال الدكتور زهير كتبي الذي نشر بالمجلة الثقافية الأسبوعية لصحيفة الجزيرة الصادرة بتاريخ 3-1-1432هـ، والذي كان عنوانه «لماذا اعترضت على المكرمين؟» عنوان بصيغة سؤال، وعندما انتهيت من قراءته كنت في حيرة من أمري، وأنا مستغرق في التفكير مما جعلني أتساءل: هل يعقل أن يوجد لدينا من يفكر بهذا التفكير؟ وخصوصاً من نرى أنهم من المثقفين ويحملون الدرجة العلمية الرفيعة، ومن نعتقد بأنهم يتمتعون بالنظرة الثاقبة والأفق الواسع في جميع نواحي الحياة، ولهم الدور المهم في التنوير، كذلك رؤيتنا لهذا المثقف بأن من أهم صفاته بأن يكون متسامحاً وكريماً ومنصفاً، وأركز على كلمة «منصف»، والتي سوف أتناول فيها تلك الصفة التي يجب أن يتسم بها المثقف ومن كان على قدر رفيع من العلم، لقد صدمت عندما أبدى الكتبي ما في نفسه باعتراضه على ما قام به نادي مكة الثقافي الأدبي في تكريم اثنين من جهابذة العلم، وهما يعتبران بمرتبة عالمين، واللذان أرّخا لمكة المكرمة وهما: عالم الآثار الدكتور ناصر الحارثي «رحمه الله»، والآخر هو العلامة المؤرخ الدكتور محمد الحبيب الهيلة، ويأتي تكريمهما ضمن المجموعة التي تم تكريمها في إحدى ليالي رمضان المبارك، وذلك يوم الأحد 12-9-1431هـ، وهم معالي الدكتور عبدالملك بن عبدالله بن دهيش، والدكتور معراج نواب ميرزا، والنسابة المؤرخ الشيخ عاتق بن غيث البلادي «رحمه الله» والأستاذ هاني بن ماجد فيروزي «رحمه الله»، فمن الواضح بأن المسألة عندك انتقائية وفيها تمييز من شخص لآخر كونك لم تعترض على المكرمين الآخرين مما يدل على أنك شخص غير منصف وأنك مجافٍ للحقيقة بقولك: «إنهما لا يستحقان التكريم والتقدير، وذلك راجع لأسباب دينية وتاريخية وعلمية».. ونحن لا نعرف ماذا تقصد بهذه الأشياء التي ذكرتها؟ حيث إنك لم توضحها لنا حسب فهمك وتحليلك لها، وبهذا قد كشفت لنا جانباً سلبياً آخر في نظرتك للآخر باستخدامك لصفة التمييز في اعتراضك على تكريمهما وتحديداً الدكتور محمد الحبيب الهيلة التونسي الجنسية، عندما قصدته هو في قولك: «ثم لماذا نكرم المثقفين الأجانب في بلادنا؟»، فهنا تكون الصدمة والاستغراب لإقصائك لهذا المؤرخ ونعته بالأجنبي، وهنا أريد أن أوضح لك يا دكتور بأن لفظ «الأجنبي» لا يطلق على إنسان عربي مسلم، بل هو لفظ يطلق على غير المسلم، فأعتقد بأنه من غير اللائق أدبياً إطلاقه على المسلم إذاً نظرتك كما ذكرت في البداية تمييز للجنس وهذه الصفة غير محمودة وغير مستحبة، ونهى عنها ديننا الحنيف مما جعلنا في حالة من الخجل عندما ينظر إلينا الآخرون من خلال نظرتك هذه، فماذا عساهم يقولون عنا؟ ونحن الذين انطلقت من أرضنا المقدسة الرسالة المحمدية، وفيها كل القيم الإنسانية النبيلة والتي تحمل بين طياتها التسامح والعدل والتآخي وكل خلق كريم. فيا دكتور زهير التكريم ومنح الجوائز من قبل الهيئات أو المؤسسات في جميع أنحاء العالم سواء كانت علمية أو ثقافية للأشخاص المتميزين لا يوجد في أدبياتها أو في لوائحها جنسية المرشح بقدر ما تعنى وتهتم بإنتاجه العلمي أو الثقافي وما قام به نادي مكة فعل محمود ويُشكر عليه وإن كان لي وقفة مع النادي حول بعض الملاحظات التي سوف أتناولها في مقال آخر إن سنحت الفرصة.
عوداً على بدء أقول بأني هنا لستُ بصدد الدفاع عن الاثنين اللذين اعترضت على تكريمهما لأنهما ليسا بحاجة لأن أدافع عنهما، بل أعمالهما هي التي تدافع، فيكفيهما ما أنتجاه من مؤلفات قيّمة ونفيسة عن أم القرى والتي تزخر بها المكتبات فهما يؤجران على ما قاما به ممن هو أفضل من البشر جميعاً بكل تصنيفاتهم من الخالق عزَّ وجلَّ، كذلك يكفيهما ما قاله وزير الثقافة والإعلام معالي الدكتور عبدالعزيز خوجه فيهما بعبارات ضافية ومنصفة، فكما يقال «كفّى ووّفى» ولا داعي لذكرها لأنها أصبحت معلومة لدى كل متابع للشأن الثقافي سواء للذين حضروا الحفل أو من اطلع عليها من خلال وسائل الإعلام المختلفة، كما أود أن أشير هنا إلى نقطة مهمة حول ما قاله الكتبي بقوله: «أنا أستحق التكريم وهو أحد الأسباب الرئيسة لاعتراضي» كردة فعل منه اتجاه نادي مكة الأدبي ومعارضته لتكريم الحارثي والهيلة فردًّا على ذلك أقول: بأنه لم يُعرف قط عن الأشخاص المتميزين بأن طلبوا من المؤسسات أو الهيئات المعنية ترشيحهم لجوائزها أو تكريمهم.
وفي الختام أرى أن هناك سؤالاً يطرح نفسه حول بعض القضايا الثقافية وهو: هل نحن أضفنا لمشهدنا الثقافي شيئاً إيجابياً؟
مكة المكرمة