أيها الرفاق.. أنا الآن وجه بلا أقنعة.. فاقرؤوا ما تيسر من وجعي.. اقرؤوا ما تيسر من سورة الفاجعة.
هل ما يحدث بزمن الثورات الآن هو حقًا خطوة في طريق التحرر؟!.. أم حلم يحمله الثوار؛ فتدهسهم أقدام المتسلقين والمتأدلجين بالوصولية مهما كانت الوسيلة.
الحلم أكبر من أن تسعه الحقيقة.. نيران الاحتجاجات تلتهم الأنظمة العربية وقاداتها؛ فإذا كان من عادة الثورة أن تأكل أبناءها؛ فإن الخوف الحقيقي الآن هو أن يأكل الأبناء ثورتهم؛ فيسود عالم من الإجرام يتحول فيها بعض من الثوريين إلى قطاع طريق وقراصنة بدائية. الحكمة التي تقول إن الثورة يزرعها النبلاء ويقطف ثمارها الخبثاء والانتهازيون لتصبغ لنفسها مشروعية مفقودة.
«الآلامُ المديدةُ والكبيرةُ تُربي الطاغيّةَ في الإنسان».. (نيتشة)
ينبغي أن ننظر إلى ظروف المجتمع وأحواله المختلفة على أنه ليس حراً ويملك مفردات إرادته، بل مدفوع إلى الجريمة؛ فهناك حتميات اجتماعية ونفسية وبيولوجية متداخلة أثرت في الأداء العام للثوريين.
يرى العالم الإيطالي (إنريكو) أن الفرد يتأثر ببيئته ويتصرف تبعاً للجماعة التي ينتمي إليها، ويرجع السلوك الإجرامي إلى حتمية اجتماعية لها أسباب ومسببات؛ فيقول «إن الجريمة ثمرة حتمية لظروف اجتماعية وتربوية خاصة».
إن انتشار الفقر والبطالة والتشرد والتفاوت الطبقي الرهيب يدفع بالأفراد إلى الانحراف عن القانون بغية تأمين لقمة العيش أو الكسب لمزيد من الثروة على حساب الآخرين، وعليه لا يمكن معالجة مشكلة الإجرام إلا بإصلاح الأوضاع الاجتماعية كإزالة الفوارق وتوفير العمل بما يتناسب مع قدرات الفرد وإمكانيات العيش وغيرها من الحلول الوقائية حتى نتجنب المرض.
أما السلوك الإجرامي في نظر مدرسة (فرويد) لها دوافع نفسية لاشعورية مرتبطة بالرغبات المكبوتة والنزوات الخفية وما عايشه الفرد في حياته الماضية خاصة بهذه المجتمعات التي نتحدث عنها؛ فيفقد فيها الفرد عطف وحنان والديه في الطفولة نتاج انصرافهم عنه للهث وراء قوت اليوم كما أن ما يواجهه الطفل في مرحلة دراسته من عنف واستبداد المؤسسة التعليمية داخل المدارس، وهذا الأسلوب الممنهج لسياسة الخوف وسلب الإرادة وكبت الطموح، لتتولد بداخله ميول عدوانية يحاول بها استرداد ما سلب منه في طفولته، مثلما السارق إنما يهدف من وراء سرقته إلى استرجاع ما سرق منه في طفولته، ويظل تائهاً كذئبة في آخر الممرات الأسئلة تعوي.. لحم الآخرين قد جرح أظافري؛ فمن القاتل ومن القتيل، وعليه ينبغي التعامل مع المجرمين كمرضى يجب معالجتهم بالتحليل النفسي.
ومن خلال الرؤية المكثفة لتلك المجتمعات - ومن خلال الحتميتين السابقتين - الفساد يتفشى، ومع غياب سيادة القانون والرغبة في الكسب السريع يلجأ الأفراد إلى التعامل مع هندسة وراثة مخالفة للصحة العامة بمنتجات الغذاء، والهرمنة غير الصالحة، وغيره من الممارسات غير المشروعة مما أدى إلى إعاقات بدنية وتشوه خلقي وتغير كيمائي هدمت الكثير من الثقة بالنفس ومصالحة الذات والرضاء العام أدى إلى اضطرابات نفسية أخرى صنعت حتمية بيولوجية للدفع إلى صراع آخر.
يرجع العالم الإيطالي (لامبروزو) السلوك الإجرامي إلى أسباب وراثية، فالمجرم له استعداد طبيعي للإجرام؛ يرث دوافع الجريمة المتمثلة في بعض الخصائص الجسمية غير العادية كظهور نتؤات في الجمجمة وجحوظ العينين وغيرها فتجعله متوحشاً منذ البداية لا يمتثل للقانون فيقع فريسة للجريمة.
وأنا لا أتفق مع (لامبروزو) في كثير من المواضع حيث تلغي مدرسة (يونج) للتحليل النفسي وجود شخص عدواني بالفطرة دون تأثير مجتمعي عليه، وقد حققت مدرسة يونج الكثير من النجاحات بأساليب التشخيص والعلاج.
والآن؛ فإن هناك حتميات للدفع إلى السلوك الإجرامي لأفراد هذه المجتمعات التي عانت كل سلبيات الفقر والعنصرية والتفاوت الطبقي والتهميش والقسوة إلى آخر حدود التلاشي، لنجد أننا أمام مجتمعات مرضية غير ناضجة كأفراد، ولذلك تنجح الثورات بالربيع العربي لتتحول بعد النصر إلى خريف مقبض على سماء الثورة من فض النزاعات وحرب الزعامات ممن شارك في إشعالها لنهش جسدها وقضم لحمها وشرب دماءها نخب النجاح الذي حققته؛ فاكتب على الصبح المجاور.. أيها الوطن العتيق.. تشبه دمي حين يكون مسفوكًا على قارعة الطريق.
الإسماعيلية