«1» أوبة
يعض شفته يكاد يدميها.. يتأوه..يتململ في كرسيّه.. يضرب بكفه على الطاولة التي أمامه.. يغمغم.
- سنرى في السنة القادمة.. إن ما قلبت لهم ظهر المجن؟!.. أعجب من حاله يدفعني الفضول لأسأله:
- أراك مهموماً..خير ما الذي حدث؟
يجيب.. ولكن بعد أن يهز رأسه قليلاً.. ويعاود الضرب بباطن كفه على الطاولة إياها؟
- الأوباش.. اتفقنا أمس على أن نحضر متأخرين نكاية بالمدير.
يصمت.. لكن أحرضه على متابعة حديثه باهتمام شديد:
- أها.. وماذا بعد؟
يأخذ تنهيدة عميقة.. ثم يكمل:
- أبداً..
جئت اليوم متأخراً عن بدء الدوام ساعة كاملة.. ثم أكتشف أن ثلاثتهم جاؤوا مبكرين جداً..قبل أي أحد.. حتى المدير نفسه..!!
أضحك في سري.. وأنا أتأمل يده المخضبة بالحمرة.
«2» نبرة متهدجة
يطرق الباب بلطف ورهبة.. يسير بخطى متعثرة.. أمتاراً عديدة يقطعها حتى يصل للمكتب..
يبلع ما تبقى من ريق.. ثم يخاطب الموظف بنبرة متهدجة:
- أتوسل إلى سعادتكم أن تنهوا معاملتي هذه...
لا يعيره أي اهتمام.. تركيزه ينصب على (الكمبيوتر) الذي أمامه كل وقته..
تصطك ركبتاه.. لا يحتمل وقوفاً أطول.. يهوي بجسده المنهك على أقرب مقعد..
يتساءل في ذات اللحظة بينه وبين نفسه:
(لا بد أن يكون عمله خطيراً ومتعباً..كان الله في عونه)..
أخذ يقلب بصره في أنحاء المكان:
الرخام اللامع، الإضاءة الساطعة، أجهزة التكييف الهادرة، طقم (الكنب) الفاره...
يهم بالقيام ليبدأ مناورة أخرى.. لكنه يلمح شاشة الحاسوب وقد غطتها أعداد من ورق اللعب (الباصرة!!).