سحابٌ على مغربِ المقبرة
أيا سارةَ الخيرِ يا طاهرة
سحابٌ ثقالٌ نأى برقها
وغيمٌ بعينٍ على السّاهرة
تموتُ القلوبُ وأشجارها
وتحيا وتثمرُ في الذاكرة
كتطواف طيرٍ بلا موطنٍ
تحنّ لأيامها الغابرة
وتبغي شِمالاً ولا حيلةٌ
وقد باتت القِبلة الحافرة
أنسعى حثيثاً نمدّ الخطى
وفي الموت خطوتنا العاثرة؟
فيا قابل التوْب يا مرتجى
ويا غافرَ الذنْب يا غافرَه
سألناك سكنى لها قرّة
ومن فوقها الرّحمة الغامرة
أيا حلوة الروحِ يا حلوةً
ويا سلوة البوح يا ساحرة
ويا قهوة مرةَ المبتداْ
ويا سكّراً أبيضَ البادرة
أطلتَ المُقامَ أيا سكّراً
قتلتَ أميرتك الآسرة
أيا شمسُ عَبّادُها خاضعٌ
ويا فتنةَ الليلك الآمرة
ويا منهل الأنهر المانحات
ويا مزنة الأدمع الماطرة
بكفٍّ بدتْ أصغر الكائنات
وأندى البطون بها حاضرة
ووجهٍ كنوّارةِ البارقات
وفأل المقيمات والعابرة
بغمازتين على كرمتين
فقل للكروم: هنا الفاخرة
وعيناك تبسم للقادمات
كأنّ النجوم بها دائرة
وكم تكتمان فكم تعتبان
وفي الصمتِ تكتملُ الخاطرة
أطلتَ الغيابَ أيا «ميمتي»1
لكِ الحبُّ، والعفو يا ساترة
تعال هنا يا حليف الجراح
وأجّل مواعيدك العابرة
وخذ تمرةً: جرّب السكّري
وتلك.. أتتنا من الزائرة
فقبّلت رأساً له المنحنى
ولا تسحبي كفّك الخادرة
وكيف هو القلب من بعدنا؟!
مصابٌ.. ولكنني صابرة
كما الغيم فاطم مرّت بنا
ويسرى أتتنا مع العاشرة
وعائشة الروح كم أجهشتْ
وكم أتعبتْ روحها الناضرة
وهذي منى أمس حنّت يدِي
ويغلبها الدمعُ: في القاهرة
وخولة كانت على عهدها
فبخّرتِ الغرفةَ الساهرة
وفّواز: أوقاته حرقةٌ
فهذي الكلى لم تعد قادرة
ومريمُ مالت وذا عطرها
وإنْ كانت الآن في الطائرة
وكيف هو المكتب المُدّعى؟!
كأني به صفقةٌ خاسرة!
خديجتك الورد ما حالها؟!
تنامُ؟! على همّها ظاهرة
عروبيّةٌ صنو إيمانها
وحربٌ على الفتنة البائرة
تحلّق أكبرهم والصغار
وكلّ البغاث على شاعرة
فكانوا رجالاً بلا عزّةٍ
وكنّ نصال الأذى الغادرة
وكانوا على طوْلهم دونها
وسادت بعزتها الباهرة
شآميةٌ لا تهاب اللئام
يمانيةُ النظرة الباترة
ولمّا تبخّر طيف العراق
أعادتْه بالسحُب الثائرة
فلا تقلقي، لا تخافي على
سلالتك الحرة النادرة
أيا سارة الحزنِ ذي أضلعي
وذي أحرفي سُجّداً شاكرة
لكِ الله غرّد قمريّها
وكانتْ قفاراً غدتْ عامرة
وقد كان حزنُك أنّ البلاد
على غير عاداتها قاصرة
فنامي لنا المشرقُ المصطفى
وإنْ غيّبته الدمى الفاجرة
ولو ضاقت الأرض من حولنا
ستأتي من الكرخ للناصرة
فإنْ مرّ حسْنٌ بباب الفؤاد
رأيناك في حسنه الحاضرة
وساد الجمال وفي فوْرةٍ
تهاوتْ بها الطغمة الخاسرة
سنقتصّ أنّا على أمّةٍ
كُتِبنا لها الملّة الظافرة
***
1. « ميمتي»: كانت تنادينا بها بالميم المخففة.
* الكرخ للناصرة: من العراق إلى فلسطين
mjharbi@hotmail.com