البطانة هي الشريحة المفصلية الأكثر اتصالا بصناع القرار وهي بحكم مركزها البالغ المحورية تلعب دوراً كبيراً في نسج حتى أدق التفاصيل التي تنعكس سلبا أو إيجاباً على البنية المركزية في خريطة الواقع المعاش. واستقراءة تاريخية يسيرة تقرر لنا أن وقائع التاريخ تحدثنا ولازالت عن صور شتى لتلك البطانة فهي أحياناً تؤدي دوراً وظيفياً فاعلاً وبأقصى درجات الفاعلية فهي توظف ماتملكه من قدرة تحريكية هائلة لصياغة المفارقة النهضوية ولتأسيس نوع من الوعي النوعي الذي يعمل على محو كافة عقابيل التخلف ورسم أفق التقدم وفي أحيان أخرى - وهي الأكثر- لعبت البطانة دوراً معكوساً ألقى بظلاله الثقيلة على البنية العميقة للنسيج المجتمعي وتلظت بسعير نارها الفعاليات السياسية كما هو الحال مع الرئيس المصري السابق حسني مبارك الذي أقر أثناء التحقيق وبلغة مفعمة بالمرارة بأن الحاشية المحيطة به هي التي أمدته بمعطيات معلوماتية مجافية للحقائق وزودته بنماذج مخملية وهمية مخادعة حدته لاتخاذ قرارات هو الآن أول من يدفع ثمنها من سمعته وصحته وتاريخه الذي لم يكن يخال أن تكتب فصوله النهائية بتلك الصورة السوداوية المؤلمة ولاعجب فالحاشية السيئة لأنها تأمن العقوبة ولأنها تعتقد أنها ليست عرضة في يوم من الأيام للمحاسبة أو ملاحقة السلطة القانونية الضابطة تتقن وبكفاءة متناهية أساليب الخيانة الرخيصة ولديها قدرة مذهلة على عزل الفاعل السياسي وبطرق فنية محترفة تعتمد مبدأ السرية المطلقة وتستميت في العمل على ضمور مستويات الشفافية والمهنية والعلمية, وغياب الموضوعية وانعدام الحيادية عبر أساليب التضليل الماكرة وقلب الحقائق رأساً على عقب.
إنها سيكولوجية البطانة الفاسدة فهي لاتحمل هم الوطن ولاتكترث بأي واد هلك, بل هي تركل مصالح الأمة لأنها مشغولة إلى حد النهم المسعور بتأمين متطلباتها الشخصية وتحقيق رغباتها المتعية ولذلك فهي متمرسة بالكذب الممنهج بارعة في التطبيل تمتهن لغة الإطراء الزائف وتجيد خلفياته البيانية فـ»كل شيء على مايرام» وليس هناك حاجة للإصلاح؛ لأنه ليس هناك فساد أصلاً حتى نحتاج إلى الإصلاح, بل الواقع في غاية الازدهار إنه واقع رغيد وهو في غنى عن التزكية بل هو في غنى حتى عن اللمسات الجمالية ومن يدعي خلاف ذلك فهو معرض لسوء الفهم وبالتالي تجب بحقه الإدانة المجحفة!
بهذا المنطق وبهذا الطراز اللغوي التزييفي تتحدث البطانة التي تمرغت بوحل الفساد وتلطخت أيديها ببراثنه إنها دائماً تحمل شعار»ليس بالإمكان أحسن مما كان» وهو ماحصل مع بطانة حسني مبارك وعلى رأسهم «أحمد عز» الذي أطاح بالعز فأسقط الرئيس حيث عمل مع بقية الشرذمة على تظليل الزعيم وتخديره بمعسول الكلام والمدح المجلجل للواقع الكالح وتلميع صورته الهزيلة وكانت النتيجة أن آل المآل بالزعيم إلى أن يقضي بقية حياته في الزنزانة خلف القضبان ومن ثم السكون في رهبة الغياب وربما يرتفع مستوى العقوبة إلى درجة الإعدام والتصفية الجسدية. كان المفترض من تلك البطانة على الأقل أن تباشر صياغة خيارات ولو شكلية نوعاً مّا من ذلك اللون الذي يخفف حدة الاحتقان ويمتص غضب الحراك الشعبوي ولكن الذي حصل هو عكس ذلك ولذلك الجميع لاحظ تصاعد حركات الاحتجاج وتنامي مستوى الحشد الغاضب وتضخم حجم المَسيرات المليونية.
ومحصول القول: فإن البطانة الفاسدة هي العامل الجوهري في سقوط الكثيرمن الأنظمة على مرّ التاريخ لأن تلك البطانة بطبيعتها متيمة بالتصفيق فهو شغلها الشاغل وليس في جعبتها إلا هو ولذلك هي تصفق بحرارة للشيء ونقيضه في آن واحد! فالأمر عندها سيان كنتيجة طبيعية لتضخم مستوى حالة المداهنة النفاقية وهيمنة التزلف المصلحي الذي لايراد به في المحصلة النهائية إلا نفع الأنا الخاوية من القيم التي يفترض تحكمها بالسلوك العام.
-
Abdalla_2015@hotmail.com
بريدة