كنا نتحدث عن التعليم وأثره في تكوين جيل من النساء، تعلَّمن الكتابة والقراءة بعد أن كُنَّ يتخبطن في ظلمات الجهل، والتعليم الذي بدأ بصعوبة وسط تقاليد لم تكن مهيأة لتقبل الجديد، ومن الطبيعي أن يكون المجتمع المنغلق على نفسه يحارب ما يطرأ عليه من مبتكرات وتغيُّر في البنية الاجتماعية؛ حيث يُحسب لكل شيء حسابه، باعتباره طارئاً على العادات الموروثة، وهذه البيئة صالحة للوقوف أمام كل جديد بدون حسابات أبعاده النافعة والتماشي مع متطلبات العصر. هذه الظاهرة موجودة في المجتمعات ذات الصبغة التقليدية المحافظة على تقاليد السكون السلبي. ويؤكد الباحثون أن التقدُّم الحضاري بفعل الحداثة لم يكن مقبولاً في مجتمعات منغلقة على نفسها، كالزيدية في اليمن، والسلفية في نجد. يقول أحد الباحثين: «التحريم والتحليل يحتاج كل منهما إلى دليل، بقياس منطقي، بل يجب تمحيص التيار والنظر إليه نظرة علمية، واتخاذ الإجراءات العلمية وتقوية الوعي الاجتماعي والديني بين الناس؛ فالدين مدني بطبعه، وعقل المؤمن دليله؛ فالعِلْم أمر يُحبِّذه الإسلام ويحث عليه؛ فالعِلْم المحض عالمي، لا دين له ولا جنسية، ومَنْ انتفع بعلم (أرشميدس) لم يصبح يونانياً، ومن أخذ من نسبية آنشتاين لم يصِر أمريكياً رأسمالياً، ومَنْ اقتبس قانون الجاذبية لنيوتن لم يصبح إنجليزياً، كما أن من أخذ نظرية جابر بن حيان في الكيمياء والخوارزمي في الجبر لم يصبح مسلماً». كان هذا في وسط الجزيرة العربية المنغلق فكرها على أهلها، أما في الأطراف الساحلية فلم يكن ذلك سائداً بهذه القوة، فقد بدأ تعليم الفتاة مبكراً بصفة خاصة قبل أن يصبح رسمياً كما ذكرنا آنفاً؛ ففي الحجاز أخذت الفتاة مكانة تعليمية مبكرة، وتم ابتعاثها على نطاق خاص إلى مصر للدراسات الجامعية في الجامعات؛ نظراً لانفتاح المجتمع على ثقافات متعددة واحتكاكه بالوافدين والحجاج والمعتمرين، ووجود الساحل والوافد من خلاله للتجارة والسياحة. وقد أكد الباحثون بالدلائل العلمية على تفوُّق منطقة الحجاز على غيرها في المجال العلمي والأدبي والتربوي، بحكم ما ذكرناه، من قرب هذه المنطقة من المراكز الحضارية، إضافة إلى وجود الحرمَيْن الشريفَيْن؛ فلم تنقطع صلتها بالعالم الخارجي، حتى في عصور التخلف والظلام، وهناك من النساء من تخرَّجن في الجامعات المصرية قبل تأسيس أول جامعة في المملكة، بل في الجزيرة العربية بأسرها، تلك كانت جامعة الملكعود في الرياض، التي تأسست سنة 1957م، وكانت تلك الأستاذة مريم بغدادي (معها عدد من الدارسات)، لكنها واصلت دراستها في فرنسا فحصلت على أول شهادة دكتوراه من السربون تحصل عليها سيدة سعودية، وقد أحصى عدد من الدارسين عدداً كبيراً من الدارسات للعلوم البحتة في الجامعات الأمريكية والأوروبية، في مجال الطب والعلوم المتعلقة بالدراسات التطبيقية العلمية، وقد حصل بعضهن على شهادات تقدير علمية في مجال الإبداع العلمي من منظمات دولية عالمية، وتبوأ بعضهن مراكز كبيرة في الجامعات العالمية في مجال العلوم التطبيقية والأدبية، وكلما ورد ذكر شيء من هذا تبادر إلى الذهن عالمة الفيزياء الدكتورة خولة الكريع، البدوية الجوفية التي أصبحت كفاءة يُشار إليها بالبنان عالمياً، وهناك عدد كبير أبدع في علم الزخرفة والنقش والفنون التشكيلية.
-
- الرياض