ما زالت اللوحة التشكيلية المسندية الثنائية الأبعاد تقف بكل ثقة في عالم يسوده التغير والتبدل والبحث عن مختلف سبل وأدوات التعبير التي تتماشى مع عصر السرعة والابتكار وحضور التقنيات المعاصرة من الوسائط وخلافها التي تؤكد أن الغاية تبرر الوسيلة فأصبحت الفكرة سيدة الموقف واختيار ما يناسبها من الخامات المسبقة التصنيع من المخلفات أو المعدة خصيصاً إضافة إلى مزج مختلف الفنون البصرية من الصورة الفوتوغرافية الثابتة وبما يمارسه الفنان عليها من توظيف وتبديل ومعالجة أو رصد موقف واختيار زاوية جديدة مبتكرة يستحضر الفنان فيها الخيال على الواقع والمعنى على الشكل مع ما أعطي للفيديو والأفلام السينمائية ومجالات التعبير بالجسد كالرقص والاستعراضات من فرص في عالم الفن المفاهيمي، هذه الفنون والأساليب أحدثت ثورة إبداعية خلقت ردود فعل وانقسامات بين مجتمعات الفنون البصرية والمتلقين لها، البعض تقبلها كجزء من التطور الحضاري العلمي والتقني والفكري واعتبار مثل هذه الأعمال تعبير عن حرية التعبير عند الفنانين من مسرحيين (بكل أقسامه) وموسيقيين وتشكيليين.
ولمعرفة معنى الفن المفاهيمي يمكن القول إنه نشأ الفن في الغرب حيث يعود تاريخها إلى الحركة الدادائية الجديدة في مطلع القرن العشرين حيث انتشر وعرف واعترف بهذا المفهوم في الستينات في أمريكا أو أوروبا، ويقوم هذا الفن على الفكرة وحرية اختيار الخامة التي يطلق عليها الوسيط بما يراه الفنان سبيلا لإيصال فكرته، وقد فتح هذا الفن الحرية لممارسيه لاختيار أي نوع من الخامات التي تخدم الفكرة، من دون التقيد بالأسس الفنية التقليدية والمألوفة، على أساس أن العمل الفني ليس منتجاً جمالياً، بقدر ما هو منتج فكري مترجم تشكيلي للخروج من حالة التكرار في اللوحة والنحت إلى ابتكار سبل تعبير جديدة إضافة إلى الانتقال من الموضوع العادي المتعارف عليه في اللوحة إلى فضاء المكان والعقل والمختزل الخيالي الرحب دون قيود أكاديمية أو حدود وقيم فنية أصبحت في خانة الزمن الماضي والخروج بها من المصطلح العام والمعروف بالفنون الجميلة أو التشكيلية إلى مسمى أعم وأشمل وأكثر قبولاً لمختلف إبداعات الإنسان الحديث فسميت (Visual Arts) الفنون البصرية.
وتعتبر بعض من تلك الأعمال إبداعات غير قابلة للحفظ أو تكرار العرض عوداً إلى الخامات المستخدمة فيها ويجمع مختلف الفنانين في هذا النهج على أنهم لا يعيرون الاقتناء أو الكسب المادي أهمية ولهذا قام بعض التشكيليين (المفاهيميين) إن صح التعبير بطرح أفكارهم عبر إيحاءات أجسادهم في الحيز المخصص لهم وآخر صرعة في هذا الجانب ما تم في بينالي القاهرة الأخير من فوز فنانة مصرية بالجائزة الأولى كونها قامت بطبخ وجبات سريعة لرواد البينالي فاعتبر عملها متميزاً ويحمل فكرة جريئة.
هذه النقلة السريعة الحضور والعظيمة الاهتمام حتى على المستوى العالمي وضعت التشكيليين الشباب أو من لهم تجربة سابقة في هذا الجانب في حيرة من أمرهم بين القيام بأعمال تقتنى ويكسب منها مبدعوها كسباً مادياً في محيطهم لعام أو أن يتجهوا للمفاهيمية لعل وعسى أن يجدوا موقع قدم في المعارض والمتاحف الدولية ليكسبوا صفة العالمية، وبين هذا وذاك ورغم الاختلاف تبقى المفاهيمية المجال الأرحب والأكثر تحرراً من قيود المراحل السابقة.
monif@hotmail.com